ليرحل طوني بلير..!!
باسم ابو سمية
لم اكن اعرف ان النفس الانجليزية هي ايضا امارة بالسوء الى ان علمت بان مسؤولين فلسطيينيين كبار يطالبون برحيل رئيس وزراء بريطانيا السابق والمنسق الحالي للرباعية الدولية طوني بلير عاجلا وليس آجلا ، فقد تأكد لرجالات السلطة الاشاوس انحياز بلير لاسرائيل وان موازنة بعثته مرتفعة بلا حدود او قيود وبلا مردود ، حتى ان تصرفاته اغضبت البعثات الدبلوماسية الاوروبية ، فكم ضاع من زمن ومال على السلطة الفلسطينية وهي تحت رحمة بلير ، يغرف من مالها ويأكل من خيرها وينام ليله على مخدة رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتياهو ، ويحدثه عن اسرار السلطة .
اخيرا تبخرت النشوة التي اظهرها بعض المسؤولين في السلطة اعجابا بشخصية بلير وعبقريته التي لا توصف وزال الاعجاب الذي حملوه لشخصيته لتحل محله مشاعر الغضب ، والتحدي الان يتجلى في استطاعة السلطة خلع بلير من منصبه وترحيله ام لا ، فهل تنجح ام انها ستخضع للضغط الاوروبي والبريطاني للتستر على الفساد السياسي والمالي الذي يقال ان رئيس الرباعية يمارسه .
منذ زمن طويل اكتشفنا فساد منظمات الان جي او ن التي يديرها ويمولها الاجانب ، وكنا نعتقد ان هؤلاء منزهون عن العبث باموال الشعوب ، ونقول ان الفاسدين هم فقط فلسطينين من كبار مسؤولي تلك المنظمات ، فلم يكن احد منا ليصدق ان الغربيين الذين رضعوا الشفافية والنزاهة والديموقراطية ما كانوا ليتصرفون بالاموال بالطريقة التي يتصرف بها العرب ، ولكنه تبين ان العجم ايضا يغدقون على انفسهم ويهدرون الاموال ، ولا احد يقول لهم كفى ، فهم اصحاب الحل والربط واصحاب المال ، وصرفه يبدو لنا انموذجا للنزاهة والامانة ومدرسة للشفافية ، وعندما بدأت المنظمات غير الحكومية المسماة (NGOS) تنمو وتترعرع في مجتمعنا الواحدة تلو الاخرى في اوقات قياسية فقد خطط لها ان تكون عين اوروبا على فلسطين وتضرب بسيف الغرب و رأينا كم ان التفس الاجنبية هي ايضا امارة بالسوء وتتغطى بالشفافية لتسرق مال المساعدات السائب المصروف باسم للشعب الفلسطينيى .
اذا كلنا اكتشفنا الامروسكتنا عنه ما ساعد تلك المنظمات على ممارسة النصب والاحتيال ، فصرفت ولا زالت اموالا كثيرة على مدرائها الاجانب بحكم خبرتهم غير المتوفرة في غيرهم من بني البشر، فتمنحهم رواتب خيالية ومصاريف ومحفزات وبيوت وسيارات وتلقي بالفتات لبقية العاملين ، ثم يأتي المدير المحلي ليقاسم صغار الموظفين في رزقهم ، ففي تلك المنظمات ساد قانون الكبير يأكل الصغير، ولكن بلير ليس له شبيه في هذا المجال ، فقد تتلمذ على يدي الرئيس الامريكي السابق جورج بوش والرباعي الاميركي الذي كان يديرالولايات المتحدة ابان الاحتلال الاميركي للعراق ، وعمل دمية بيده ، والان يمارس نفس الدور في منظومة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو.
قيل مؤخرا ان الحكومة البريطانية التي كان بلير رئيسها السابق تبذل جهدا كبيرا لترميم الشرخ الذي اصاب علاقاتها مع اسرائيل ، ولعل مهمة طوني بلير في هذا المجال تحتل مكانة هامة واساسية فما بدأه ابان عمله كرئيس للوزراء عاد ليكمله اليوم كمبعوث للرباعية الدولية ، وهو الذي يتمتع بنفوذ اوسع من الذي كان ابان عمله كوزير اول لبريطانيا العظمى ، فالرباعية التي يقودها تضم كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة ، وهي قوة كبرى تعادل قوة حلف الناتو ولكن في الجانب السياسي فماذا تريد اسرائيل سوى حلفاء سياسين للوقوف الى جانبها ضد فلسطين ، وكان حظها من السماء حين وجدت توني بلير يخرج من القمقم ليقول لنتنياهو: شبيك لبيك .. توني بلير بين ايديك ..
ودورالرجل المبتسم اغلب وقته لا يقتصرعلى تقديم النصائح السياسية لاسرائيل او تجنيد التأييد لها وانما امتد الى ممارسة نفوذه للتأثيرعلى مواقف الاتحاد الاوروبي وخصوصا على الوزيرة كاترين اشتون، وقبل بان يكون اداة بيد نتنياهو لخداع وتضليل اللجنة الرباعية والمؤسسات الدولية .
وان كان الفلسطينيون والاوروبيون كذلك تحفظوا على الكثير من ممارسات ومواقف المستر طوني منذ توليه منصبه واستهجنوا انحيازه التام لاسرائيل فان جل نشاطه انصب على استخدام ذكائه في البحث عن طرق لانقاذ حكومة نتنياهو ووزير خارجيته اليميني المتعصب افيغدور ليبرمان من العزلة الدولية التي تعيشها اسرائيل في الاونة الاخيرة بسبب مواقف هذين الاثنين على وجه الخصوص في موضوعي الاستيطان والحل السسياسي ، وكل ذلك جرى على حساب الفلسطيين ولاهداف بلير الشخصية .
الا ان الشعرة التي قصمت ظهر السياسي المحنك جاءت من بين سطور بيان الرباعية الاخير بشأن المفاوضات وهو ما فجر غضب السلطة الفلسطينية واخرجها عن صمتها ، اذ لم يكن بالامكان مداراة الفضيحة ، فقد جاء البيان خال من اي مضمون واكتفى بالطلب من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي العودة الى المفاوضات ، وتجاهل ازمة الاستيطان التي كانت سببا اساسيا للاطاحة بالمفاوضات ، ولأن اداءه كان مرتبكا فقد وضعه البيان في مرمى سهام التصريحات الحادة لمسؤولين كبار في السلطة ظلوا لفترة طويلة مغمضين اعينهم ومغلقين افواههم عن ممارساته ، وزاد من سخونة ردود الفعل الفلسطينية حين تبين ان الرجل يعمل لصالح نتياهو .
اما لماذا جاء بيان الرباعية هزيلا ومنحازا ومقيتا ومغضبا الى هذا الحد ، فالسبب على حد تفسير دبلواسيين اوروبيين ان بلير اقنع الرباعية بان لدى صديقه نتنياهو رزمة من النوايا الحسنة تجاه الفلسطينيين من شانها ان تشجعهم على العودة الى طاولة التفاوض ، ومنها ازالة حواجز وتسهيل مرور وتخفيف الحصار عن قطاع غزة ، لكن الرياح جاءت بعكس ما يشتهي ، فوقع الرجل في فخ اعماله .
فعلا لم يكذب احساسي الذي راودني منذ التقائي بالسيد بيلير لدى وصوله الى رام الله قبل بضع سنوات للعمل كمنسق للرباعية فشعرت من حديثه انه يخطط مسبقا للاستفراد بحكم اللجنة ، وتبين فيما بعد انه يتمتع بنفوذ قوي وهيمنة على مندوبي الاتحاد الاوروبي وليس فقط على اعضاء الرباعية فقد تمكن من اقناع وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون بانهاء عمل المبعوث الاوروبي لعملية السلام مارك اوتي وهكذا فعلت اشتون من باب رد الجميل لبلير الذي تدين له بمنصبها الحالي ، واخذت تروج له في اوساط الفلسطينين يكونه الامل الوحيد لعملية السلام وسيفاجيء الجميع ببهلوانيته والعابه السحرية ، وعندما حان الوقت لاخراج يده من جيبه فاذا بها سوداء تحمل كل السوء .
والان لا يوجد مسؤول قلسطيني واحد يمكنه ان يقول كلمة خير بحق السيد بلير فطيلة السنوات الماضية التي عمل فيها منسقا للجنة الرباعية الدولية كان على عاتقه مهمة تركيز الجهود لحشد المساعدة الدولية للسلطة الفلسطينية واقامة الدولة المستقلة وهل هناك من هدف اكبر من قيام دولة فلسطينية ـ لكن ما حصل ان المكلف باقامة الدولة الفلسطينية اقام الدنيا بمجيئه الى فلسطين للاسترزاق وليس لاحلال السلام ، وبعكس ما كان يقوله دائما ، ففي عهده تضاعفت الحواجز العسكرية الاسرائيلية وفي زمنه تمسك نتيناهو بمواقفه المتشددة اكثر واكثر، وتحت ادارته استهلكت بعثته اموالا طائلة دون تحقيق اية نتائج ملموسة ، فبعثة بليرتنفق ستويا من اموال الدعم لفلسطين نحو مليون ربع المليون دولار رواتب وبدل استئجار مكاتب للبعثة في فندق الاميركان كولوني ناهيك عن رابته الشهري ومصاريفه الخاصة ونفقات سفرياته التي لا يعلمها الا الله والرباعية والسلطة الفلسطينية .
واعتمادا على بقايا ذاكرتي التي اضناها المرض فاني ما زلت اذكر ما قاله بلير في اللقاء الصحافي الاول ، لقد قال انه سيلعب دورا سياسيا واقتصاديا بارزا ، الا ان دوره السياسي فسيكون اكثر تأثيرا لكونه يقيم علاقات طيبة مع الطرفين المتخاصمين منذ ان كان رئيسا للوزراء ، ومنذ ذاك الحين لم يهدأ طنين بلير الذي عمل كالنحله يجوب العالم لعقد المحاضرات والندوات وورش العمل وجمع الاموال الكثيرة ، وقد اعجبني موقف السلطة المطالب برحيله عاجلا وليس آجلا ، وحتى لا تخالف السلطة قانون الطبيعة وتكون اول سلطة تطالب برحيل مسؤول بعكس ما يجري في المنطقة العربية ، فان الحقائق التي تكشفت تشير الى ان الوقت قد حان ليرحل طوني بليرعن بلادنا فورا ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق