مع الزيارة .. ولكن ..!!
باسم ابو سمية
يقول المثل الشعبي : "اول الرقص حنجلة " ، هكذا فعلت حماس فقد بدأت رقصها بوضع قائمة اشتراطات على الرئيس ابو مازن الموافقة عليها قبل ان تطأ قدماه ارض غزة ، وبدات الحنجلة حين ابكرت الصواريخ التي تجمدت لاربع سنوات متتالية في الانهمارعلى اسرائيل في محاولة لبعثرة الاوراق السياسية وجر اسرائيل لمنع الرئيس من الذهاب الى غزة لعل حماس تتجنب شر ما يترتب على الزيارة من تداعيات لا تريد لها ان تحدث .
انا مع الزيارة ولكن على الرئيس التريث في تحديد موعدها فحماس لم تغير من نمط ممارساتها وما تزال رغم اخذها علما بالزيارة ، تواصل قمع ومطاردة الناس جميعا وليس فقط المتظاهرين المطالبين بانهاء الانقسام من ميدان الى اخر وتداهم مكاتب الصحافيين وتعتدي على الرجال والنساء ، ولذك ارى ان الظروف الراهنة لم تنضج للزيارة ، فالامور في قطاع غزة لا تزال على حالها من سيء الى اسوأ ، وحماس تمارس اجراءتها القمعية اليومية من اعتقالات ومطاردات بنفس الوتيرة التي اتبعتها منذ الاستيلاء على القطاع ، وعلى الاغلب انها ستواصل هذه الاجراءات حتى اثناء وجود الرئيس ، فماذا سيكون الرد على مثل هذه الاعمال التي تشكل انتقاصا من شأن الرئيس واستهتارا بشخصه وبمبادرته .
ليس خافيا ان مفاجأة ابو مازن اوجدت قلقا وكثيرا من التكهنات واثارت الجدل واللغط في مختلف الاوساط عما يمكن ان تنتهي اليه ، وهل ستكون مجرد زيارة عادية من رئيس لاهله في غزة ، ام انها ستكون سحرية على طريقة مارد القمقم فتتمخض عنها ولادة عهد جديد ينهي الانقسام ويفكك الانقلاب وينهي الخلاف ويؤلف بين القلوب والالسنة ويوحد الجهود لمواجهة التحديات في خندق واحد بعيدا عن المصالح والاجندات الفصائلية .
ربما تكون المبادرة من افضل ما فعله الرئيس في حياته السياسية مع انه فعل اشياء اخرى كثيرة جيدة فان اسوأ ما قد تنتهي اليه بان تأتي نتائجها بعكس ما يتمنى الراغبون في احلال الوئام والوفاق ، فيعود ابو مازن من غزة بخفي حنين ، فالمشكلة ليست في جاهزية او عدم جاهزية منزل الرئيس لاستقباله وفيما اذا كان مسكنه الخاص مزودا بالماء وبالتيار الكهربي وخدمات الاتصال الهاتفي ومواقع التواصل الاجتماعي من تويتر وفيس بوك والانترنت والفاكسات ام لا ، ولا في بروتوكولات ومراسيم الاستقبال والوداع ومن يكون في مقدمة المستقبلين ومن في اخرهم ، وانما في ما ستحققه الزيارة من نتائج وهذا اهم ما في الامر .
ما من احد اكثر مني لهفا واشتياقا الى انهاء الانقلاب والانقسام فقد استقت الى غزة واهلها وشواطئها وبحرها وسمكها ، لكن المشكلة هي الاجابة على اكثر من سؤال منها هل لدى حماس الجاهزية والاستعداد النفسي والسياسي والتنظيمي لانجاح الزيارة ، وهل حصلت حماس الداخل بقيادة اسماعيل هنية على الضوء الاخضر من حماس الخارج بزعامة خالد مشعل بالموافقه على ان الزيارة لا تشمل فتح ملفات الحوار وانما فقط على اقتراح تشكيل حكومة مستقلين تعد لاجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وهل تملك حماس غزة القدرة على منع الرافضين من لدنها من افشال هذه المساعي ، وهذا هو بيت القصيد في كل الزيارة .
اتفق مع القول بان التاريخ الفلسطيني سيذكر للرئيس مبادرته وشجاعته والتزامه العالي بالمصالح الوطنية ، ولكني لا افضل الاستعجال في اتمام الزيارة قبل استكمال كافة الترتيبات واعداد البرامج وجدول الاعمال وتأمين حياة الرئيس وعودته سالما آمنا ، فغزة ليست بعيدة على الرئيس، ولن تغادر شواطئها ، فلا يكفي لانجاح مبادرة الرئيس تنميق الكلام وترتيب الجمل بوصف جميل عن المسؤولية الاستثنائية والشجاعة التي عزّ مثيلها في الواقع العربي وعن عزمه تسليم أمانة الحكم ، وحرصه ان يتم التسليم في ظل بيت فلسطيني آمن ومستقر وموحّد فكل ذلك عزف جميل على اوتار موسيقية والحان تثير الطرب والاشجان ، لكنها في النهاية لا تسمن ولا تغني من جوع ولن تضمن انهاء الانقسام والانقلاب بمجرد زيارة من رئيس لجزء من وطنه ، الم يسبق ان وقعت حماس على اتفاق مكة ونكثت بعهدها وعادت الى غزة لتنقلب على السلطة ، فمن يضمن اليوم الا يقوم اخرق او حاقد او مدفوع بالاعتداء على الرئيس .
لا نريد انكاء الجراح ولا نبش الماضي المليء بالمآسي ولا فتح الملفات ولا الاصطياد في الماء العكر حين نقول ان ابو مازن ظل حتى الامس موضع اتهام ، وكان اسقاطه مطلبا لحماس وحلفائها ، وحين فكر ان يبادر بنفسه الى انهاء الانقسام يصبح مرحبا به في جزء من وطنه ، ولعل هذا ما يفسر الصدمة التي اصابت حماس وتسببت في انقسام موقفها بين مؤيد ورافض ومتحفظ ومهدد ، الم يقال ان الرأي يقابله راي اخر ، وان تعارض الرأين لا يمكن ان يدفع باحد الفريقين للجوء الى التهديد والوعيد والتخوين ، الا انه قاموس التشدد ليس فيخ سوى رأي واحد فقط لا رأيين .
ولننتبه الى ان طلاق خمس قذائف هاون على النقب جاء كرد على اقتراح ابو مازن لزيارة غزة ، اوليست هذه محاولة لخلط الاوراق السياسية عشية الزيارة ام يمكن القول ان تلك القذائف كانت العابا نارية احتفاء بالزيارة ، الا يتطلب ذلك من المعنيين قراءة الرسائل التي اتت بها القذائف الخمس على النقب .
نقترض ان يكون المعنيون قد وضعوا في حسابهم ما تسببت به الزيارة قبل ان تبدأ من انشقاق في الصف الحمساوي ومواصلة رجال الامن التصدي لرجال السياسة بل واتهام فريق الموافقين بتسليم قطاع غزة لابي مازن مجانا وبلا ثمن ، وكذلك الخوف الذي يسيطر على الرافضين من زحف مليون مواطن لاستقبال رئيسهم ، وهذا من شانه تعرية حماس امام الرأي العام ويضعها في حجم اقل بكثير مما كانت تحاول الايحاء به ، لهذا انصح بتأجيل الزيارة الى حين التأكد من ضمان ان تجري بهدوء لا يعكرها تهديد من قريب او من بعيد ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق