الخميس، 10 مارس 2011

يوميات

الاعمار بيد  الله..!!
باسم ابو سمية
عن قصد ، عن اهمال ، عن جهل  ، عن تجاهل ، فان  وزارة الصحة  الفلسطينية التي يفترض فيها السهر على صحة  المواطنين وتأمين سلامتهم تتحمل نتائج  توقف مركز الحسين للسرطان في الاردن عن استقبال المرضى  الفلسطينيين ، فالقرار كما علمنا  اتخذ نتيجة عدم دفع ما تراكم على السلطة من ديون بملايين الدنانير، وهو قرار من شأنه ان  يهز عرش الوزارة ، فغياب العلاج  يعني ان على مرضى السرطان مواجهة  مصائرهم  المحتومة .
اذا صح الخبر  فانه يتعين على المرضى وضع مصائرهم في عنق  وزارة  الصحة ، فهي وحدها التي تقرر متى وكيف واين يموت المريض بالسرطان ، هل يموت وقوفا  كالاشجار ، ام  على فراش المرض  مثلما يموت البعير ام في غيبوبة عن الدنيا قد تطول او تقصر .
هناك خطأ مقصود في مسألة وقف العلاج في الخارج ارتكبته الوزارة مؤخرا وارتكبته  قبل ثلاث سنوات بدواعي عدم توفر السيولة المالية في بيت المال الحكومي ، وانذاك اوقفت تحويل المرضي الى مستشفى الاردن والمركز العربي  والاسلامي ومشاف اخرى في الاردن بعدما تفاجأت بحجم الديون  التي تكدست في ذمتها  لتلك المراكز الطبية وقيل في حينه والعهدة على الرواي ان لذلك حجتين الاولى التشكيك في الذمة المالية  لتلك المشافي ، والثانية  حرص الوزارة على اموال الموازنة الحكومية  اعتقادا من الوزير  ان ذلك  يكسبه ود اولي الامر ويوفر الملايين التي كانت  تصرف  هدرا على علاج فقراء الناس .
شخصيا كان لي ذات يوم شرف اهدار نحو ثلاثة الاف  دينار من موازنة الحكومة على تلقي العلاج ثلاث مرات فقط خلال ستين عاما  ، مرة في مستشفى الحسين الطبي قبل عشرين عاما ، ومرتين  في مستشفى الاردن قبل اربع سنوات بعد ان اصابتني ذبحة صدرية حادة واخرى دماغية ، ويحق لي الافتخار باني  كنت في المرة الثالثة اخر مريض يعالج على نفقة الدولة في ذلك الوقت ، وفي ذلك اليوم  التاريخي التقيت اثناء مغادرتي مستشفى الاردن بعشرات من مرضى السرطان في الباحة وساحات الانتظار من غزة وجنين يشتكون من انقطاع الرعاية ، وذهبت لتقديم الشكر  لمدير المستشفى  عبدااله البشير  جازاه الله كل خير على حسن الرعاية والاهتمام ، وكان حزينا جدا وهو يبلغني  بان وزير الصحة  قرر وقف  التحويلات  الى  المشفى ، فشعرت  حينها ان القرار اشبه بالقاء كل اولئك  المرضى في عرض  البحر وهم لا يجيدون السباحة .
قفزت انا من قائمة المرضى المعالجين في الخارج مثل كثيرين غيري وعدت الى البيت ، ولكني كنت انا ايضا كمن قفز الى بحر هائج ، فبقيت في قائمة الاموات الاحياء ، والآن وبعد مضي اربع  سنوات على المرض المزمن وانسداد الشرايين وتغلغل السكر في الدم وهو لمن لا يعلم مرض فتاك من الدرجة الاولى ، صار من الضروري الاجابة  على سؤال  لماذا كان علي ان اقفز الى بحر هائج وأنا لا اجيد السباحة ، هل لم يكن امامي سوى خيار القفز ، في الحقيقة نعم فاتقان السباحة في البحار يحتاج الى امكانيات  مادية خاصة غير متوفرة في حضرة جنابي ، فلا مال ولا جاه ولا واسطة  ولا يحزنون ، وهذا هو حال مرضى السرطان الذين التقيت باكثر من ثلاثين  منهم في مستشفى واحد ، ولا اعرف فيما اذا ظلوا كلهم او البعض منهم  على قيد الحياة ام فارقوها  ؟
 احكي ذلك من حرقة قلبي على المرضى فانا زميلهم  في المرض واحس بمعاناتهم  واعرف ان غياب العلاج يدفع المريض الى حافة اليأس ويقربه شيئا فشيئا  من الموت ، وأكثر ما آلمني هو إعلان وقف التعامل مع مركز السرطان الاردني ،  فماذا عن احوال المصابين بهذا المرض  القاتل بعدما علموا بالقرار ،  انه امر يثير العجب فعلاً  ان لا يدرك الاصحاء  ماذا يعني وقف الادوية عن هؤلاء المرضى  .!
أكثر من هذا ، فان رفض التعامل مع المركز الصحي  يشكل تهديدا  لحباة المرضى ، لا سيما وانه ليس في بلادنا  كوبات حوليم فلسطينيا  ولا تأمين وطنيا ،  ولا ادوية للامراض المزمنة  والمستعصية ، يضاف الى ذلك ان الوزارة امضت عمرها تئن من عدم توفير الادوية  الضرورية وانعدام الادارات  والنظافة  والنظام ،  ولم تبلور حتى هذا اليوم رؤيتها وتوجهاتها الطبية  والعلاجية  وخصوصا موضوع العلاج في الخارج ،  فتارة تقفل الابواب واخرى تفتح كوة صغيرة تسمح من خلالها سرا  بعلاج اصحاب النفوذ او كل من يمتلك واسطة ، اما الفقراء فلهم حق الموت على  ابواب المشافي  بلا ضجيج .

وعند الكلام عما سيحل بمرضى السرطان في المستقبل  فان الوزارة تتحفظ  على  ابداء أي رأي  وكأن الامر لا يعنيها ليبقى الغموض يحيط بالموقف ، وحين يستخدم منع العلاج  كسلاح فان هذا المنع حري بان يصبح مادة سجال في الشارع  فمنعه  ليس سوى غلالة تفضح المستور بان لا الوزارة قادرة ولا الحكومة  قادرة ولا السلطة قادرة على توفير العلاج اللازم لمرضاها المصابين  بمرض  فتاك  ليقال في نهاية الامر ان الاعمار بيد الله..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق