الحق مع الشعوب ام عليها ..؟!!
باسم ابو سمية
تحبس الانظمة والشعوب العربية انفاسها على وقع التطورات المتسارعة ، فيما تشهد بلدانها هذه الايام انتفاضات شعبية ، ففي ليبا اصبح الشرق في قبضة الثوار بينما تواصل قوت القذافي دك مصراتة ، وفي اليمن اصطدمت مفاوضات الحل السياسي لأزمة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام بحاجز انعدام الثقة ، وفي سوريا فان الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن في الجنوب وفي الشمال تتسع ويزداد معها عدد الضحايا ، هذا هو الموقف حتى ساعة متأخرة من ساعات الليل الطويل بالنسبة للحكام الساهرين فلا هو يطيل من اعمارهم ولا من مدة بقائهم على كراسي الحكم ، ويزيد هذا التوتر من وجيف قلوب الشعوب التي تنتظر ان يقول الزعيم : لقد قررت الرحيل .
كان من اللائق بالشعوب العربية الثائرة ان تبلغ انظمتها بالمخططات التي تحاك ضدها ، كي تتنحى بهدوء حقنا للدماء الزكية التي سالت من اجساد شبابها واطفالها لمجرد انهم لجأوا الى اساليب سلمية للمطالبة بحقوقهم ، ولان الشعوب لم تبلغ حكامها عن نياتها فانها تتحمل المسؤولية الوطنية والاخلاقية عن التغرير بالانظمة فيكون من حقها استباحة دمائهم وتقتيلهم لانهم يعملون لصالح قوى خارجية ،
ولكن لماذا الثورات الشعبية في هذه الاوقات العصيبة بالذات وثمة مهمات وطنية وعاجلة لم تكتمل ويتوجب على الانظمة العربية انجازها قبل ان ترحل ، فمن وجهة نظر بعض العرب فان الاولويات الوطنية هي مجابهة العدوان الذي تخطط اسرائيل لارتكابه على غزة ، مستغلة انشغال العرب بانتفاضات شعوبهم ضدهم ، وعليه فان كل الامكانيات العسكرية والسياسية والفكرية ، يجب ان تجند لهذه الاولوية ، اليس هذا هو شعار المرحلة في العواصم الثورية .
الواقع ان اثنتين وستين سنة لم تكن فترة كافية للانظمة لاسترداد فلسطين التي سقطت في ايدى اسرائيل في زمن الذين سبقوهم ، ولو كانت الانظمة الحالية في ذلك الزمن لما سمحت باحتلال فلسطين سنة 1948 ، ولما تمكنت اسرائيل من استكمال الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين الضفة وقطاع غزة وعلى هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية سنة 1967 ، ولا عندما اجتاحت اسرائيل الضفة الغربية سنة 2006 ولا عندما عزلت اسرائيل القدس وصادرت اراضي الضفة الغربية واقامت مئات المستوطنات فوقها ، فقد تم كل ذلك في غفلة منهم ، وكل من يدعي انهم تقصدوا اغماض اعينهم عم تلك الاعتداءات والحروب فهو متآمر ويعمل باجندة خارجية ويلتهم الشطائر الاميركية ويتلقى اجره بالدولار الامريكي .
ربما ان الجهات الخارجية والاعداء هم الذين كانوا يدفعون بكرة الثورة من بلد الى اخر لتواصل تدحرجها بسرعة هائلة من بلد عربي الى اخر ، وتلك الثورات هي منعت العرب من التصدي للعدوان الاسرائيلي الذي وقع قبل ثلاثة وستين عاما على فلسطين ، وتلك الشعوب هي التي كبلت ايادي العرب على مر السنين ومنعتهم من الضغط على الزناد وقيدت ارجلهم كي لا يزحفوا لكيلومترات قليلة وهي طول المسافة الى فلسطين ومنعتهم من تخليصها من براثن الاحتلال ، اية شعوب هذه التي تقيد حكومتها وتمنعها من تحرير اراضيها المحتلة وتتآمر عليها بدعم من القوى المعادية لاسقاطها واستبدالها بانظمة اخرى اكثر تطرفا ومعادية للسلام .
الرواية ذاتها لا المشهد فقط تتكرر كل يوم في كل بلد عربي ينتفض ابناؤه ضد كبت الحريات والقمع وبحثا عن لقمة خبز نظيفة وعن الديمقراطية المفقودة ، لا اكثر ولا اقل ، اما الحكام فان ابسط ما يمكن ان يتهموا به شعوبهم هو انهم مدفوعين من الخارج ، وفي هذا السياق تذكرون ما قيل في بداية الثورة المصرية ان شباب الثورة كانوا في ميدان التحرير يتناولون شطائر البرغر كنج ويتلقى كل منهم خمسين دولارا اميركيا في اليوم الواحد ، ليثوروا على نظام مبارك المعادي للولايات المتحدة .
فماذ كان يتناول اهالي مصراتة الليبية تحت القصف الهمجي المريع بلا طعام او شراب ولا مأوى وما هو نوع العملة التي كان يتقاضاها الاطفال والنساء والشيوخ مقابل ان تتقطع اجسادهم اربا اربا تحت القذائف فيما يتضور المحاصرون الما وجوعا في مواجهة هجمات كتائب القذافي .
وليقل لنا احد من جانب الانظمة " المضطهدة " بفعل شعوبها ماذا كان يتناول اهالي درعا واللاذقية والمصلون في المسجد الاموي بدمشق من اطعمة وكم قبضوا من دراهم ، فدرعا الواقعة على مثلث الحدود السورية الاردنية الاسرائيلية او الفلسطينية بلغة الممانعة ، وليقولوا لنا ما هي مصلحة الاردن في دعم المنتفضين في سوريا في حين تواجه تحديات لا تقل خطرا عن تلك التي يعيشها اشقاؤها العرب وكان الاولى بها التفرغ لما يجري بداخلها وليس بما يدور خارج حدودها ودعم وتمويل اهالي درعا حسي الاتهام الموجه اليها ، اما الجهة الخارجية الثانية والقريبة الى درعا وصاحبة المصلحة في احداث القلاقل وهز اركان سوريا فهي اسرائيل ولا احد ينكر كم هي مرتاحة لما يجري داخل عدوتها التاريخية سوريا ، لكن محاولة الاشارة الى ضلوعها في دعم المنتفضين هو اتهام لشعب باكمله بالخيانة العظمى والعمل لصالح الامبريالية والعدو الصهيوني حسب المفردات الثورية .
نقسم بان الثورات الشعبية لا يمكن ان تكون بتأليب قوى خارجية ، فالقوى الخارسجة يمكن ان تدعم وتمول حزبا او حركة لكنها لا تجند شعبا باكمله ، فالثورات او الانتفاضات الشعبية تلك محلية مئة بالمئة ، ولم تأت بغتة ولم تندلع بلا سبب ، فالمشكلة الكبرى ان الانظمة لا تريد ادراك ان ثورات شعوبها كانت على مدى السنوات الاخيرة تتسلل الى الناس نقطة نقطة ، مثل ماء البلدية في ايام القطع ، الى ان طفح الكيل بهم فقرروا الاحتجاج سلميا كابسط حق من حقوقهم البشرية فجوبهوا بالنار ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق