الثلاثاء، 19 أبريل 2011

وطنية الانظمة

وطنية الانظمة وخيانة المعارضة  ؟!
باسم ابو سمية

لاحظوا ان الاجواء السياسية الساخنة  في المنطقة العربية قد تستمر لمدة طويلة ربما لشهور او لسنوات ، فليس  في الافق ما يشير الى ان تعاظم التصعيد في ميادين الصراع  قد يهدأ او يتراجع فقد حصل في الاونة الاخيرة تصاعد امني  في معظم ارجاء الوطن العربي وسنشهد تراجعا خطيرا في الاحوال الاقتصادية والمزيد من الفقر في اوساط الفقراء ، واستشراء الفساد  لدى الفاسدين اكثر من ذي قبل  ،  اذا لم  يوضع حد للاحتقان  واطفاء الغليان  الناتج عن العلاقة  الجديدة بين الانظمة ومعارضيها  التي تتصف  بتجاذب مستمر ، فالاخير   يصرخ والاول يطبق  على فمه حتى يختنق  .
وأغلب الظن ان الحكام  العرب  الذين ظلوا على سداتهم  لمدد طويلة ستأخذهم العزة بالاثم  ، وبدلا من رأب الصدع  وايجاد سبل للمصالحات الوطنية وتهدئة الاجواء والخواطر وحقن الدماء ، سيلجأون الى توسيع الهوة بينهم وبين شعوبهم  بافتعال موجات التصعيد والتهويل في مسألة ارتباط  المعارضة بالقوى الخارجية  حتى يسهل ضرب حركة الاولى ، وتخويف الثانية ، فانتبهوا ايها السادة  الى ان  افتعال هذا النمط من  التصعيد التشكيكي  ينتج عنه   اثارة غبار كثيف يحجب عن الانظار حقيقة ما  جرى وسيجري  في الميدان  .

يمكن الموافقة على  وجود لغز ما   نجهله ،  او كلمة سر  لا نعرفها للاحتجاجات التي انفجرت فجأة في العالم العربي ، ويمكن الاقرار بما هو أعمق وأبعد من مجرد الاطاحة بالحكام واستبدال الانظمة القومية الحالية وان كانت قمعية باخرى معروفة الاهداف والبرامج  ، فالدلائل تشير الى ان المؤامرة  المسماة بالخارجية هي في الواقع داخلية  وينشط  الذين يحيكونها في تجهيز  كراسي الحكم على مقاس الخلفاء غير الراشدين من السلفيين والاخوان المسلمين لادارة دولة الخلافة الاسلامية ، وهؤلاء  يديرون مؤامرات خارجية باجندات عقائدية اقليمية ، وتتأكد هذه الفرضية بالتصريحات التي صدرت في مؤتمرات جماهيرية  عن قيادين في التيارات السلفية والاخونجية ، ولو نجحوا  في تنفيذ برامجهم  فانا ساكون اول الواقفين في صف الانظمة ضد الثورات  التي تسرق انجازاتها في  وضح النهار  .

هذا ما تدلل عليه الوقائع ، فالتراجع السياسي، والانهيار الاقتصادي  والانقسامات والصراعات والتدخلات الاقليمية واحيانا الدولية  ستؤدي جميعها  الى خدمة النظام الاسلامي الذي تهدد الاحزاب السلفية والاخوان بتطبيقه  بعد استملاك الارض وما عليها ، وهو ما لا يمكن  تجاهله ، فلا حاجة  للتعريف باسباب ودوافع  الثورات الغاضبة وأعاصيرها الجامحة، التي تجتاح المدن والقرى في انحاء العالم العربي  بل ان علينا  التنبه الى  العواقب الوخيمة  التي ستكون مدوية اكثر من صرخات الجماهير  اذا تحقق ما تسعى اليه  تيارات اقامة الحد ودفع الجزية  .

مفارقة مقلقة تعيشها الشعوب العربية دون ان تشعر بها  ، سواء المنتفضة على حكامها أوالمتفرجة على الاحتجاجات عبر الفضائيات ، والمقلق  في الامر ان الحديث عن قدوم افواج  حملة السيوف من المجاهدين لانتزاع الحكم  ، يقابله تجاهل  بعض الحاكم لما يجري الحديث عنه واصرارهم على  البقاء في سدة الحكم ورفض أي  تغيير أو إصلاح ، ما يفتح الابواب على مصارعها  أمام قوى غير مرغوب فيها لا شعبيا ولا سلطويا  للاستيلاء على الحكم  بلا ضجيج .

قد يتصور البعض ان القوى الدولية مجرد مجموعة منظمات اهلية غير حكومية وان امتناعها عن تقديم الدعم المباشر يعني عدم معرفتها او تجاهلها لما يجري ،  بل ان الامر غير ذلك تماما ، فالولايات المتحدة بوصفها زعيمة القوى المناصرة للثورات ، هكذا اصبح اسمها الان ، تعرف تماما ما يجري وبالتفاصيل الدقيقة ، ويمكن القول انها هي التي رعت ومولت كل المعارضين العرب من ليبيا وسوريا والاردن وايران وحتى الكويت منذ اواسط الثمانينيات وحتى يومنا هذا ، وكنت انا وكثير من الاصدقاء والزملاء من الذين حضروا مؤتمرات هؤلاء وجلساتهم في صالونات السياسة في واشنطن اثناء عملي هناك كصحافي  في نهاية الثمانينيات  والتهمنا الكثير من وجباتهم الشهية وتجرعنا من مشروباتهم  الروحية ، وسألتهم عن اسباب وجودهم في الولايات المتحدة ، ولماذا لا يعودون الى بلدانهم ، فلم يقدم احد منهم  جوابا شافيا ، وفهمت  بعد ذلك ان انتزاعهم من جنات  واشنطن  يعني منع  الاوكسجين عنهم فيموتون ،  هكذا قالت لي مضيفتهم المعارضة الكويتية السمراء الحلوة  ، اما حقيقة ان الولايات المتحدة مولت المعارضة السورية سنة 2006 حسب وثيقة الويكيليكس ، فامر مشكوك في صدقيته  فالتمويل قد بدأ حسب معرفتي وباعتراف المعارضين انفسهم  قبل ذلك بكثير ، وعليه فان وقوف الولايات المتحدة الى جانب الثورات لم يكن  تطوعا لنصرة الشعوب  بدون مقابل ، بل كان ضمن برنامج  يتيح لها وصاية ما ، وان كانت الوصاية غير مباشرة او مقنعة  كالبطالة في العالم العربي .
ونقول بكل ضمير قومي  للحكام ان اساليب القمع ستؤدي  الى تأجيل الحلول وتمييعها لفترة قصيرة ثم الى  تفاقم الازمات ، فالمشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعوب المحتجة لم تعرف في حياتها صناديق الاقتراع ولم تمارس حقها في الاختيار ، وحين  نزلت إلى الساحات والميادين  ظنت أن ضجيج  أقدامها سيصل الى اذان السلطات الحاكمة فتتراجع وتعطي كل ذي حق حقه  التي تجاهلته  لفترة طويلة ، وهذا التجاهل هو الذي وضع الجماهير أمام خيار وحيد  وهو المضي في الطريق  الطويل  الى آخره .
وعلى المعارضة الا تكون نزقة  ولا تستفز وان تتقبل الاتهامات بانضوائها تحت عباءة المؤامرة الخارجية فمن حق الانظمة الدفاع عن مكاسبها  كحق من حقوقها او ارث من ميراثها العائلي ، ولها حرية استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة بما في ذلك  التشكيك بالثورات واهدافها ومآربها الخيانية ، ولكن عليها ان تتحمل النتائج  ، وعلى الحكام  ان يحسنوا تقدير  ما قد يفعله  الشباب الذين لم يعاصروا الحقب السابقة ،  فاخطر ما لدى هذه الاجيال انها ورثت بالتراكم  كل اصناف الظلم والاذلال  ، ومعرفة الماضي  تحمل دائما مفاجآت غير متوقعة  تقلب الاحوال رأسا على عقب ، بحيث يصبح لا مجال لعودة حركة الجماهير الى الوراء رغم معرفتها بالمدى التي قد تصل اليه  اساليب القمع  من جانب الانظمة المذعورة من امتلاك الشعوب لحريتها .

والظاهر أن الشباب العرب كلهم قد نهلوا من ثقافة  شيخ واحد ، فهم يبحثون عن  حلول  تضع  نهاية لكبت الحريات والبطالة والفقر والحرمان المزمن من حق التعبير ، فيما تحاول الانظمة  تجاهل الحقائق بالهروب  الى الامام ، وتتجاهل ان  التهويل واللعب بالعواطف  لم يعد حلا لإطعام الفقراء ولا يشفي  غليل التواقين الى نيل الحرية والكرامة .

ان اعتراف الانظمة  بواقع الناس الغاضبين خطوة ضرورية  جدا لسلوك طريق الحل وامتصاص الصدمة  والنقمة والغضب ،  فقد اثبتت الانتفاضات المتلاحقة ان  العلاج بالمسكنات ليس شافيا ولا كافيا  وأن ما كان ممكناً بالامس لم يعد مقبولاً اليوم  . اما مواصلة استخدام القوة فلن يؤدي الا الى انفلات عقال الاحتجاجات وتفجر مشاعرالغضب ،  وفتح  الابواب على تدخلات خارجية فعلية وليس افتراضية ..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق