ثورة ليبيا بين الهدير والشخير ..!!
لا تدار الحروب بالتضرع والادعية ولا بالتمنيات ، وحين يصبح لا مناص من خوضها فيجب ان يجري الاعداد لها جيدا بكل ما يلزم من المال والرجال والاسلحة ثقيلها وخفيفها ، لكن المؤسف والمحزن ان الثوار الليبيين يتصرفون كمجموعة فتية يمارسون لعبة اتاري في مواجهة جيش مسلح ومنظم وقوي بمعدل عشرة الى واحد ، فهم في النهار يقفون على مشارف سرت لمسافة تزيد عن 150 كليومترا ، وفي الليل يتقهقرون الى الخلف تحت وقع القذائف الثقيلة ويقولون انه انسحاب تكتيكي ، ومثل هذا الارتباك لا يجب ان يسود ساحات المعارك والحروب .
ندرك ان الثورة دخلت خط اللا رجعة ، ولكن الرهان على حدوث متغيرات ، سيؤدي الى تدمير احلام الثوار ويطيح بفكرتهم واهدافهم ، فاليوم يمر على الثورة الليبية نحو شهر ، ولا يزال القتال يراوح مكانه بين الهدير والشخير او كما يقال بين الكر والفر ، فالاحوال الميدانية والعسكرية والانسانية التي تزداد توترا وحساسية وتعقيدا في كل يوم لم تعد تحتمل اكثر ما حدث حتى الان ، فالقتلى بالمئات والدمار يعم الديار وآلاف النازحين والهاربين يهيمون على وجوههم في صحراء مترامية الاطراف .
كما ان استمرار الوضع على حاله من حرب يغلب عليها طابع لعبة المطاردات على طريقة الاتاري فان ذلك يقتضي اختفاء احد الفريقين عن المشهد ، فاما ان يرحل العقيد القذافي ويتوقف سفك الدماء وهذا هو الحل االذي يرده الثوار ونريده نحن ، واما ان يتوقف الثوار عن خوض معارك لا تخرج عن كونها فوضوية ، فلا تدريب ولا تنظيم ولا قيادة ولا اسلحة يعتمد عليها لمواجهة ما ثقل حمله وقذائفه من اسلحة كتائب القذافي ، واستمرار هذا الحال يخفي خلف غبار المعارك الصحراوية مفاجأت وخيمة العواقب .
ومثلما ان الاوضاع اليومية للثوار لا تحتمل مواصلة القتال بوسائل بدائية وغير متكافئة ، فان الاوضاع المالية لدول التحالف اصبحت ايضا لا تحتمل الخسائر اليومية التي تتكبدها بدون ان يتحقق ما سعت اليه من نتائج ميدانية ، فحين تلقي طائرة للتحالف الغربي قنبلة واحدة فهي كمن يقي بمليوني دولار الى جوف الرمال المتحركة ، فيما قادة المجلس الانتقالي يتحدثون للفضائيات عن تقاعس التحالف وتأخره في قصف الاهداف القذافية ، لتفتح الطريق امامهم للوصول بامن وسلام ودونما عناء الى طرابلس واقتلاع القذافي ، هكذا بكل بساطة .
وكل دول التحالف تريد للمعارضة ان تنجح ولكن ليس بأي ثمن ، فتلك الدول تمتنع حتى الان عن تسليح الثوار تخوفا من وصولها الى ايدي تنظيم القاعدة التي كان العقيد طوال الفترة الماضية يتولى محاربته نيابة عن الولايات المتحدة ، وانعدام التسليح يضع على عاتق المجلس الانتقالي للثورة مهمة اصعب ، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يواجهون ضغوطا قوية من حكوماتهم ومن الاحزاب المعارضة للتراجع عن هذه الحرب المكلفة والتي تمتص بلايين الدولارت يوميا من خزائنها ، وباتت تخشى من خروج مواطنيها الى الشوارع لمطالبتها بنفض اياديها من حرب لا تعنيهم بشيء وقد تستفيد منها جهات اسلامية متطرفة ، واذا ما تراجع التحالف لاي سبب من الاسباب فان الميدان سيخلو للقذافي الذي لن يتورع عن التكيل بمناوئيه واشباعهم ضربا وتقتيلا ، وهذا ما لا يريده التحالف ولا يتمناه الثوار .
ليست المشكلة في هذا فحسب ، بل في الحال الذي لا يسر صديقا للثوار الليبيبن الذين يحاربون خصما يقوده زعيم اقل ما يقال فيه انه عنيد ومصاب بجنون العظمة فهو ما زال يعيش في عباءة ملك ملوك افريقيا وثوب عميد القادة العرب وصار فيما بعد امير المسلمين ، ولن يختفي عن الساحة السياسة ببساطة قبل ان يحرق ليبيا عن بكرة ابيها ، ثم ان حربا غير متكافئة كهذه تبقى مفتوحة على اكثر من احتمال ، فقد تطول وقد تتوقف فجأة ، وقد تنقلب موازيين القوى ، وفي جميع الاحوال فان الثورة تحتاج الى الكثير من الامكانيات والاموال والعديد من المتطلبات التي لها اول وليس لها اخر ابتداء من تضميد الجراح ودفن القتلى واعادة اعمارما دمرته الحرب ، وانتهاء بتثبيت اقدامها وترتيب اوضاع البلاد والعباد وتغيير الدستور والانظمة والاعداد لاجراء الانتخابات وغير ذلك من اجراءات طويلة ومعقدة لا تقل اهمية عن كسب معركة تحرير البلاد .
. وقد تطرأ تطورات غير متوقعه تضع الثوار ومجلسهم الانتقالي في مواجهة واقع يتطلب خوض الحرب بما تيسر لهم من اسلحة خفيفة الى ان يقضي التحالف امرا كان مفعولا ، وقد يواجهون حالة من الشلل والتعطيل تقلبان الفراغ السياسي ما بعد القذافي ان ذهب الى فراغ شامل في السلطة والمؤسسات التي لا تزال حتى اللحظة تحكم البلاد ولو من باب اثبات الوجود .
اما اخطر ما يمكن ان تواجهه الثورة واهلها فهو بقاء وضع ثوار الاتاري على ما هم عليهم من مجموعات عشوائية يمضون وقتهم في الابتهال الى الله والدعوات بان يؤازرهم بالنصر واستجداء الرئيس اوباما بصفته شيخ حلفائهم الا يتقاعس لحظة عن تدمير مواقع كتائب القذافي ، وكأنهم يقولون له مثلما قيل لسيدنا موسى : " اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون " .
خلاصة القول ، ما نقوله ، قاله وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس ورئيس اركانه عن ان الثوار يتصرفون حتى الآن بصورة ارتجالية وان المعارضة بحاجة الى التدريب والقيادة والتنظيم ، ويبقى القول بان الولايات المتحدة بحاجة لجهة تضمن لها ان المجلس الوطني الانتقالي الذي يقود المعارضة في ليبيا يبحث عن دولة ديموقراطية وليس عن جمهورية اسلامية ، ونقول للمجلس ان عليه الاسراع في الاستفادة مما حدث ، وتغيير تكتيكاته واسترتيجياته وقياداته العسكرية والميدانية حتى لا يمنى بهزيمة نكراء يندم عليها الى الابد ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق