عندما تغرب شمس الديكتاتورية ..!!
باسم ابو سمية
طويت صفحة الماضي بين الانظمة المستبدة وبين شعوبها ، وقطع الحبل السري الذي وصل بينهما ، ولم يعد لحكام تلك الانظمة الكثير من الانصار في بلدانهم ليملئوا بهم الساحات وهم يلقون الخطابات الرنانة ، مثلما لم يعد بالامكان اللجوء الى تقنية الفتوشوب لجلب المزيد من المناصرين الى صور مهرجاناتهم ، في محاولة للتقليل من حجم المعارضين حتى يسهل وصفهم بالقلة التي لا تعبر عن رأي الشعب المؤيد لرئيسه " الديمقراطي " جدا .
انها قطعا بداية النهاية للدكتاتوريات العربية شاءت الانظمة ام ابت ، فقد بدأت شمس الانظمة تميل نحو الغروب ، فحتى الان لم تهدأ الانتفاضات العربية ، بل تمتد من بلد الى اخر مع اشراقة شمس كل يوم ، فالمنطقة العربية تغلي ، والعالم العربي يتغير شيئا فشيئا ، والانظمة ما زالت ترفض تعلم الدروس واستخلاص العبر من تجارب سابقة ولم تستفد من نصوص برقيات السفراء الاميركيين التي عرفت بوثائق ويكيليكس وقيل في حينه انها مجرد تحليلات وانطباعات السفراء .
وبمرورالايام اطلت الاحتجاجات برؤوسها من تحت الرمال بعد ان ظلت مدفونة لعقود طويلة لتجذر حالة الاعتراض الثوري على الواقع العربي المهتريء سياسيا ، وخلال تلك الاعوام الطويلة غابت كل المعالجات الجدية والعقلانية من جانب الانظمة التي اعتمدت على الحلول الامنية المخابراتية ، وغاب الاصلاح الجدي والعميق والجذري ،وبدلا منه استمر التصدي البوليسي للمحتجين ، وامعنت الانظمة في ارتكاب الاخطاء لمعالجة واقع بسيط يفيد بأن كيل الشعوب قد طفح ، وان لا عودة الى ما قبل توقيت اندلاع الثورات ولو ادى ذلك الى مقتل الآلاف في ساحات الاحتجاج .
ورأينا عند كل مواجهة تكرارا للسيناريو ذاته ، لتبدو المشكلة وكأن المسؤول عنها الحكومات او الوزراء وليس القيادات السياسية أو رؤوس الانظمة ، فيجري تغيير الحكومات والوزارات ، وتقدم الوعود بالاصلاح ، لكن شيئا من هذا لا يحصل ، ويتراجع دورالجيش لمصلحة القوات الخاصة والاجهزة الامنية وأجهزة مكافحة الشغب لكونها الحاضنة لاستمرارية الانظمة ، وينحى باللائمة على المنتفضين المطالبين بحقهم في الحرية ، على انهم يهددون الاستقرار ويتجاوزون القانون ويثيرون الفتنة لا فرق اذا بين التبييض السياسي الذي تمارسه بعض الانظمة المستبدة وبين تبييض الاموال الذي يديره رموز الفساد في الانظمة العربية ، فالاسلوب المعتمد من الحكام باللجوء الى الحلول الامنية يعقد الاوضاع ويزيد الطين بله ، ويتحول الى مشكلة تضاف الى المشكلات التي يطالب المحتجون بايجاد حلول لها .
نقول هذا وعيننا على ما يجري من محاولات دؤوبة لتكريس الرواية الرسمية بان ما يجري مؤامرة تدار من الخارج ، وان الشعب العربي ليس الا اداة في المخطط التآمري ، وفي هذه الاثناء تفاجئنا سرعة كشف حقائق لم تكن معروفة للجميع عن اسرار الانظمة كان مجرد الحديث عنها امرا محرما ومحظورا ويودي بصاحبه الى التهلكة ، واكبرمثال على ذلك ان اكثر البلدان العربية رخاء لا يحصل مواطنوها على مياه الشرب سوى مرة واحدة في الاسبوع ، والحال اسوأ من هذا بكثير في بقية البلدان الفقيرة حيث ان فقدان مساه الشرب دفع شعوبها الى استخدام المياه العادمة للشرب والاستحمام .
وهذا واحد من عورات كثيرة كشفت سترها الثورات العربية ، لتبين ان الانظمة تحتل شعوبها بطريقة اسوأ من التي تحتل بها اسرائيل فلسطين ، ويمكننا الان معرفة سر استمرار احتلال اسرائيل للضفة والقطاع ولبقية الاراضي العربية والاستمتاع بخيراتها في ظل صمت عربي مطبق .
ولم يفت موقع فيس بوك الخبيث ان يكون احد صانعي ثورات الاحتجاج وكاتبي تاريخها ، ليضيف مصطلحات لم تكن مستخدمة من قبل ، مثل المندسين ، العصابات المسلحة ، المتآمرين ، البلطجية ، البلاطجة ، والشبيحة ، وهي مصطلحات دخلت قاموس اللغة لتصبح جزءا منه ومتداولة في اللهجة الشعبية وفي اللغة الرسمية ، وهي مصطلحات يوصف بها اشباح تخصصوا في قتل المتظاهرين المناهضين للانظمة ، ولا نجد تفسيرا من اين جاء هؤلاء ومن الذي يزودهم بالسلاح ويمدهم بالمال ويفر لهم الغطاء ، ولا جواب على السؤال ، لماذا لا يعتقل هؤلاء الذين يخترقون الصفوف رغم الاحتياطات المشددة في انظمة تقوم على الامن ، وكيف ترك لهم المجال لاثارة الفتنة والبلبلة وقتل اشخاص من الطرفين .
وما يفضح المخطط الرسمي ان المندسين والبلطجية الى اخر الصفات ، لم يعتقلوا ، ولم تعرض صورهم ولم تجر مع احدهم مقابلة تلفزيونية يتحدثون فيها عن كيفية اندساسهم كالاشباح الى قلاع الاجهزة الامنية وصفوف الجماهير الغاضبة دون ان يمسهم سوء او يسألون ، وهذا يعزز فرضية ان الاجهزة الامنية الرسمية تحتفظ دائما بخلايا نائمة من المندسين ليوم العوزة توقظها في اللحظة المناسبة لتشرع في قتل المتظاهرين ، ولكي يضفي النظام المصداقية على هذا الادعاء فان مهمة المندسين تشمل ايضا قتل ضباط وجنود وعناصر اجهزة امنية وربما مسؤولين بهدف اثارة الرأي العام ضد المنتفضين.
ويعلم الجميع ان الحملات الاعلامية الامنية ، التي تصور ما يحدث في المنطقة العربية على انه مؤامرة لا يلغي ما يجري من وقائع على الارض ، كما ان اقحام الخارج في قضايا حياتية كان يمكن معالجتها بالحكمة سيعقد الامور ويزيد النار اشتعالا ، فالحرية مثل الماء والهواء وضوء الشمس لا يمكن منعها .
وهكذا فان الغضب الشعبي المتصاعد لن تطفئه كل محاولات التطمين من خلال العناوين الصحافية التي نطالعها كل يوم ، فالغضب لن يهدأ الا بنجاح مساعي ارساء الحل السياسي المقبول للمحتجين والمتضمن الاقتصاص من رموز الانظمة القمعية والفاسدة ، فلا يجوز ان تواصل السلطات السياسية اخفاء تفاصيل ما يجري في ادراجها او في جيوب مسؤوليها وتعلن ما يتوافق مع مصالحها ، لتبدو كالصب تفضحه عيونه ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق