السبت، 18 يونيو 2011


حكومة مهضومة  ..!!

باسم ابو سمية

انباء التشكيل الحكومي الفلسطيني مثل الطقس  المتقلب كل يوم في حال ، فتارة يقال ان فياض مرشح فتح وتارة اخرى يقال  ان فتح لم ترشح قياض ولا تريده  وان حماس تعارض ذلك لكن  اوساطا منها تؤيد ، هكذا  هي احوال التشكيل الحكومي  هذه الايام  ، غائمة ثم غائمة جزئيا  وحارة   ، ثم ماطرة في عز الصيف .

في وسط هذه الاجواء ثمة من يعزف لحنا نشازا حين يقول ان الحكومة الجديدة   لا هي حكومة فياض ولا مصطفى ولا سنقرط ، ولنما هي حكومة الرئيس محمود عباس  ، فهو الذي يكلفها بعد ان يغربلها  وينقيها من الشوائب  غير المرغوبة  ، وهذا من حقه ، وتكون الحكومة ملتزمة ببرنامجه  ، على انه لن يكون لها برنامج  سياسي ، وعقب تشكيلها ، ستعرض على التشريعي بعد تفعيله  ، وتعقيبا على هذا العزف نقول  ان كل من يحل المعادلة يستحق ان يكون مستشارا لرئيس الحكومة المقبل .

لم تعد المسألة اذا ان تتمكن فتح من اقناع حماس بان فياض هو الحل لتجنب غضب المجتمع الدولي  ، ولم بعد فياض خيارا اخيرا  لفتح  بعد ان كان وحيدا فالبحث جار الان عن شخصية مستقلة  ولا مانع ان كانت من غزة  ، لقيادة الحكومة ، شريطة ان يتمتع بكاريزما  قيادية ذات تأثير على الغرب  ويتمتع بشبكة اتصالات وعلاقات تساعده على تسهيل مهمته ، ومن لا يمتلك هذه الصفات  لا  ينفع لحمل لقب دولة الرئيس .

قبل ايام سمعنا ان اتفاقا شبه نهائي قد تم بين الاطراف  لتشكيل  حكومة جديدة جدا ليس فيها  لا وزير ولا غفير  من القدامى  ، لا من حكومة سلام فياض ولا من حكومة اسماعيل هنية ، وربما يقودها واحد من اثنين ،  الاول الصناعي  ورجل الاعمال مازن سنقرط ، والثاني رئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى ، وهما بالمناسبة ليسا مستقلين  ، وربما يكون هذان  آخر حجرين  يلقىان  في بركة التوزير ، فقد طرحت  خلال الاسابيع الماضية  اسماء كثيرة  لرئاسة الحكومة  ومنها اسم رجل الاعمال  المعروف عربيا  منيب المصري ، وقيل في رام الله ان الرئيس محمود عباس كان حتى قبل نهاية الاسبوع  متفائل باقناع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في لقاء القاهرة  الثلاثاء المقبل بتولي سلام فياض رئاسة الحكومة  المقبلة لضرورات المرحلة  فهو الشخص الوحيد من بين الاسماء المتداولة الاكثر قبولا على المستوى الاقليمي والدولي والعربي ايضا  ، لكن ما جاء من القاهرة يفيد بان حماس رفضت تسمية فياض رفضا قاطعا  .

في راينا فان الحكومة المنوي تشكيلها تعتبر حكومة الوقت المائع ، اذ ان الافق السياسي لا يحمل اية امال  بتسوية سياسية  على المدى المنظور سوى  ما ينشر في الاعلام من تصريحات متضاربة ، ونحن نعرف ان لا مكان للحقائق الكاملة  في الصحافة فاعلامنا مثلما تكونوا يول عليكم  ، وبالاضافة لذلك  فالحكومة الذي يجري تركيبها لن تستطيع الصمود لحظة واحدة  في المواجهة ، فالقادم  يحمل الكثير من المفاجآت ،وأولها ما تسعى اليه اسرائيل بتجفيف منابع السلطة من خلال احتجاز اموال الضرائب ، وفي حال قامت بذلك فان السلطة ستعيش مجددتا في دوامة الجفاف المالي  وهنا تكون الحاجة ملحة لحكومة النفس القوي .

اذا الموقف هنا  لا يحتمل حكومة ميوعة سياسية ، بل ان الحاجة اكثر الى حكومة  تمتلك  حلولا اقتصادية  واجتماعية ومعيشية  ، فلا يعقل  ان يغرف رئيس الحكومة الجديد من جيبه ليصرف على الناس ، بل المطلوب رئيس يعرف في  العلاقات الدولية ولاقتصاد والاموال  اكثر مما يهرف في الاقوال . .

على كل حال بيننا وبين الثلاثاء الموعد  المنتظر للاعلان رسميا عن اسماء رئيس واعضاء الحكومة ، بضعة  ايام  ، ولا يهمنا في هذا المجال اذا ما عاد اسم سلام فياض  الى التداول مرة اخرى رغم قرار  حماس سحبه نهائيا  من المزاد الحكومي ،  ليصبح في نظرها  خارج نطاق الخدمة  او منتهي الصلاحية  ، لأن فطبي المعادلة الحكومية اتفقا على ان  اختيار رئيس الوزراء والوزراء الجدد يجب ان لا يخضع  لمزاج طرف دون الأخر ، ولا يملك طرف ان يفرض اسما دون موافقة الأخر ،  ولكي يقال ان حماس تجيد  الاتيكيت فقد دعت  فياض بصفته خبيرا في ادارة الازمات الحكومية  الى تقديم  خبراته  لرئيس  الوزراء القادم  لينجح في  مهتمه.

والحكومة العتيدة  ايا كان قائدها هي الثمرة المرة التي طرحتها شجرة الاتفاق التي سقيت بماء المصالحة فجاءت  على شكل حكومة توافق في ظاهرها ، وفي باطنها  حكومة ملغومة  لانها تقوم على التقاسم والترضيات ، فحصة باقي التنظيمات المشاركة  لا تتعدى بضعة حقائب وزارية هامشية  ، مجرد اسم على مسمى ، ومرة اخرى نرى ان حركة فتح وسلطة الرئيس محمودعباس ترضخان لارادة حركة حماس بخصوص شخص رئيس الحكومة ، لعلنا نكون مخطئين ، ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه  .

ما نعرفه تماما  ان رئيس الحكومة - حتى كتابة المقال -  سلام فياض تراجع مرتين على الاقل عن "ضبضبة اغراضه " من مكتبه بدار الحكومة في حي الماصيون بعد تطمينات حصل عليها من جهات فلسطينية وعربية بانه باق في منصبه لضرورات تفرضه االمرحلة ، وان الرئيس محمود عباس ابلغ اللجنة المركزية لحركة فتح باعتماده مرشحها  الاوحد ، فكان له ما اراد، الا ان حماس التي كانت قد وافقت في ايار الماضي  تراجعت وخرجت لتعلن رفضها القاطع  لتسمية فياض  للحكومة لا رئيسا ولا حتى وزيرا ، وكان لها ما ارادت  بحجة الالتزام بقواعد لعبة اتفاق المصالحة ، كما اعلن مسؤول فتحاوي كبير ، فاللعبة تقتضي عدم فرض اي طرف رايه على الطرف الاخر ، وكان رئيس الوزراء د. سلام فياض استبق  الامر بالتأكيد على انه لن يفرض نفسه على احد .بعدم الحاجة اليه ويكفي  حكومة مدراء عامين  او وكلاء الوزارات  فمهماتهم  تنحصر في توفير الاموال وصرف الرواتب والموازنات والتحضير للانتخابات  والاحتياجات المعيشية الاخرى ، فاذا بنا نشاهد كولسات ومشاورات ومؤامرات ، وتداول اسماء اشخاص لرئاسة الحكومة  والبعض منهم زعماء  احزاب سياسية  ومنظمات غير حكومية  تتمرغ في الدعم الغربي ، الا تخشى القيادة السياسية من انعكاس ارادة زعيم الحزب على سياسة الحكومة والبلاد ، اليس هذا تجاوزا  للاعراف التي لا تجيز ان يكون رئيس الحكومة  محكوما بارادة حزبه وسياساته .

ولان  هذه الحكومة تاتي  خلافا لما اتفق عليه  اثر المصالحة ، فان الكاسب في الحكومة الجديدة  قلق ، والخاسر ايضا قلق، فكلاهما  سيكون مضطرا الى ان يحمل على عاتقه احمالا ثقيلة  تنوء بحملها الجبال من القضايا الحياتية المحكومة بتطلعات  الناس ومتطالبهم واحتياجاتهم ، التي ربما يكون تحقيقها صعبا ان لم يكن  مستحيلا .

وحتى مع الاستبشار الظاهر على وجوه بعض المبشرين بالتوزير فثمة ما يدعو الى التوقف قليلا والتفكير مليا وكثيرا ، وعدم   الالتفات الى الوراء ، وان يحسب الجميع حساب كل  شاردة وواردة  تأتي عليها هذه الحكومة التي ستكون مراقبة بمجهر  الراصدين من الداخل والخارج ، فهناك المرصد الامريكي والاسرائيلي والاوروبي ورباعية توني بلير، والمجتمع الاممي والمرصد العربي والفلسطيني ، فجميع الاطراف تريد حكومة تلبي طموح الغرب ،  وفلسطين ليست معزولة عن العالم بل في قلب  المنطقة العربية الملتهبة .

بطبيعة الحال ليس  لدى هذه الحكومة المقبلة القدرة على لي الذراع الاميركية والتصدي للمارسات الاسرائيلية كالاستيطان ومصادرة  الاراضي ، وتهويد القدس ، وستتفرغ لادارة الشأن  العام الداخلي للناس، متكأة على ما ستفعله منظمة التحريرالفلسطينية  الموكلة بالملف السياسي حسب الاتفاق ، فالحكومة التي ستتشكل لن  تشارك حسب علمنا في قيادة المرحلة الاكثر  خطورة وحساسية في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لكنها ستكون محكومة  بكل  ما يجري من تطورات  سياسية وغير سياسية .

نعلم بانه ليس لدى الحكومة الوليدة سوى هامش ضيق يتعين عليها ان تناور من خلاله وفق ما تراه مصادر متابعة من داخل اروقة القرار، فهي حكومة وزراء وحقائب فقط لا تمثل الارادة الحقيقية للناس  بل ارادة فصائل ذات مصالح ذاتية  ، ثم ان الجهود التي  بذلت  في اللحظات الاخيرة لانجاز التشكيلة الحكومية كيفما اتفق ، جاءت لاغلاق الباب على التقولات والشائعات  والتكهنات ، فاختار الفريقان الكبيران فتح وحماس المشي على اطراف الاصابع كي لا ينتبه الاعلاميون والسياسيون لما يجري ،

لكن المشكلة لا تنتهي في العادة عند التشكيل ، بل تبدأ بعد التأليف ، وهنا امر بديهي ، وانشغال السلطة في الملفات السياسية لا يعفي الحكومة الجديدة من المسؤولية  ، فامام القيادة  بكل تشكيلاتها  قضايا مهمة وحساسة  اشبه بالقنابل الموقوتة ، وهي  استحقاق ايلول والمفاوضات والاعتراف ، و مضمون البيان الوزاري وموقف  الفصائل السياسية من رؤية الرئيس الاميركي باراك اوباما للحل ، ومن المؤتمرالدولي الذي دعت اليه  فرنسا ،  ومن الاعتراف باسرائيل ، ومن انضواء كتائب القسام في الاجهزة الامنية  والافراج عن المعتقلين السياسيين لدى الجانبين  ، والسماح بتوزيع الصحف المحظورة والغاء احكام كانت حماس قد اصدرتها بحق صحافيين ومواطنين ، ورد الاعتبار لمواطنين نكل بهم  وقطعت اطرافهم ،  وغير ذلك من قضايا حياتية واجتماعية رئيسية وفرعية كثيرة ، تلك قضايا يجب حلها  تزامنا مع استلام  الحكومة مفاتيح  الحكم ..!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق