سوريا يا حبيبتي اعدت لي كرامتي ..!! |
باسم ابوسيمة
كلما ذكرت الشام على مسامعي ، عن على بالي ابيات شعر قالها فطاحل الشعر الحديث ، مثل السوري نزار قباني والفلسطيني محمود درويش واللبناني سعيد عقل والعراقي محمد مهدي الجواهري واخرون الذين تغنوا بالشام حبا وهياما مثلما يفعل العاشقون ... فقد قاال فيها الشاعر سعيد عقل :
أهـلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّـدَتْنا وَالسَّـمَاحُ | ||
وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا | ||
يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ | ||
وقال نزار قباني : آه يا شام.. كيف أشرح ما بي وأنا فيـكِ دائمـاً مسكونُ يا دمشق التي تفشى شذاها تحت جلدي كأنه الزيزفونُ | ||
وقال محمود درويش
ما أجمل الشام، لولا الشام ،
وفي الشام
يبتدئ الزمن العربي و ينطفئ الزمن الهمجي
أنا ساعة الصفر دقّت وشقت
يبتدئ الزمن العربي و ينطفئ الزمن الهمجي
أنا ساعة الصفر دقّت وشقت
وقال محمد مهدي الجواهري
دمشق عشتك ريعانا وخافقة
ولمة العيون السود والأرقا
تموجين ظلال الذكريات هوى
وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
ولمة العيون السود والأرقا
تموجين ظلال الذكريات هوى
وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
وقبلهم ، قال امير الشعراء احمد شوقي قصيدته المأثورة :
وقفتم بين موتٍ أو حياةٍ ... فإن رُمتم نعيم الدهر فاشقوا
و للأوطان في دم كل حرٍ ... يدٌ سَلَفت و دينٌ مُستحّقُ
و لا يبني الممالك كالضحايا ... ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ
و للحرية الحمراء بابٌ ... بكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ
و للأوطان في دم كل حرٍ ... يدٌ سَلَفت و دينٌ مُستحّقُ
و لا يبني الممالك كالضحايا ... ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ
و للحرية الحمراء بابٌ ... بكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ
ترى ماذا كان سيكتب هؤلاء اليوم لو قيض لهم الكتابة عما تشهده سوريا من عنف دموي وصراعات اهلية يسفك على جوانبها الدم ، فلا غالب ولا مغلوب ، مهما بلغت سطوة القوة او شلال دماء الضحايا ، من قوة ، ولاننا جزء من هذه البلاد ، بلاد الشام ، فاننا نقول بدون مقدمات ، ولا طول شرح ، ان على الرئيس السوري بشار الاسد اذا اراد استعادة السكينة والهدوء لربوع بلاده الجميلة ، الى دمشق واللاذقية وطرطوس والزبداني وحلب وحماة ودرعا وجسر الشغور ومعرة النعمان وبقية المدن والبلدات التنازل قليلا عن كبرياء نظامه ، باعطاء ابناء شعبه بالمزيد من الحريات والتعامل الانساني الذي يحفظ للبشر اداميتهم ، وليس بدفعهم للهجرة القسرية الى خارج مسقط رؤوسهم ، وان على النظام ان يقنعنا بصحة الادعاء القائل ان واشنطن وتل ابيب وراء تحريض السورين على المطالبة بحريتهم المسلوبة ؟.
لقد اخطأ من نصح الرئيس بان القمع سيريحه من وجع الدماغ ، والذي قال بانه قد ينعم بالاستقرار والهدوء كلما ازدادت حدة التنكيل ، فهذه اقوال مردودة وخاطئة ايا كان من قالها ، ونهيب بالرئيس المبادرة الى وقف الممارسات الامنية فورا ويحتضن ابناء شعبه بين ذراعيه ، وليجرب الديمقراطية التي لم يشهدها العالم العربي في تاريخه لا القديم ولا الحديث ، فان نفعت كان به ، وان لم تنفع ، فيا دار ما دخلك شر .
بغير ذلك ، لن يستتب الامن ، ولن يعود الاستقرارالى البلاد والعباد ، ولن ينتهي وجع الراس الذي يزعج الرئيس مثلما يزعجنا ويضغط على اعصاب الناس ، وسيكون هو الخاسر في كل الاحوال سواء نج النظام في قمع المحتجين ام نجح المحتجون في انهاء النظام ، وحينئذ لن ينفع الرئيس الشاب الندم ، ولن تكون امامه فرصة لتطوير بلاده ولا تعزيزالحريات ولا تعددية الاحزاب ولا الاعداد ليوم المواجهة مع اسرائيل .
ونقول لكل سوري وسورية ، شيوخا كان ام شبانا ام فتيات ام نساء الذين يتهمهم النظام بشق عصا الطاعة على ولي الامر ، اتخذوا من التظاهرات السلمية وسيلة للحفاظ على تراب سوريا الابية ، فضياعها يعني ضياع فلسطين وتشرذم الموقف العربي اكثر فاكثر ليصبحوا مجموعات لا تهتز لها سوى ابدان الراقصات في الكازينوهات ، ولا يحسب لها حساب بين الامم .
مهما حصل فان سوريا تبقى منا وفينا ، ولها محبة خاصة ومنزلا في القلوب ، فقد علمتنا كتب التاريخ ان ابناءها كانوا يرددون كلما اشرق صبح النشيد الذي حفظناه نحن في فلسطين عن ظهر قلب ورددتها الاذاعات في حرب تشرين 1973 : سوريا يا حبيبتي اعدت لي كرامتي اعدت لي هويتي ، وحكى لنا الرواة والرحالة ومنهم ابن بطوطة ، ان بلاد الشام ارض العز والكرامة والبطولات والمنازلات والمعارك الفاصلة التي غيرت وجه التاريخ ، وما جاء في امهات الكتب ومسلسل باب الحارة ، وما قاله اجدادنا الاولون واباؤنا ، كيف ان سورية شوكة في حلق الاعداء ولسان القبان في الصراع العربي الاسرائيلي وتحتل موقعا مهما في الشرق الاوسط وفي العالم وهي عرين القومية العربية وتقول الشعارات المرفوعة على بوابات دمشق انها موئل الحرية والاشتراكية ، وفيها نظام لا تخفى عليه خافية ويعلم ما خلفهم وبين ايديهم وكل ما يهب ويدب وكل صغيرة وكبيرة .
قلوبنا معك يا شعب سوريا الابي ، فالانباء التي يحملهيا الينا صبا بردى كل صباح تجرح كرامتنا العربية وتدمي قلوبنا ، فارواح تزهق وحيوات تسلب وبيوت تنهب ودماء تسفك لمدنيين وعسكريين ، ووهذا كله لان اهلها ارادوا التشبه ببقية اخوانهم العرب في تونس ومصر وليبا واليمن ، فظنوا ان ربيع سوريا سينبت بسهولة في بلد لا ينبت فيه شيء الا بارادة النظام ، ولكن ما بعث الطمأنينة في قلوبنا ما سمعناه من انباء عن ان الطبيب الشاب الذي ولد وفي فمه ملعقة ذهب ، اصبح رئيسا لبلاد تحتل موقعا استراتيجيا مهمما في منطقة الشرق الاوسط والعالم ، قد قال قبل ايام انه سيستقيل من منصبه ويعود الى المنزل الذي نشأ فيه ، إذا تبين له أن الشعب لا يريده .
هذا القول المنسوب لرئيس البلاد وولي امر العباد ، جاء خلال لقاء جمعه وفد من مدينة " جوبر " الملاصقة لدمشق ، وكان من بين الحاضرين من سجلوا اقوال الاسد بالحرف الواحد ليضمنوها في تقارير وزعت فيما بعد على الاعلام واطلعنا عليها ، وفي اللقاء اكد الرئيس ما يلي :
ان 'اطلاق النار على المتظاهرين خطأ غير مسموح ، وكل من لديه اسم عنصر أمن أطلق النار ، فليزودنا به لنقوم بمحاكمته ، قال ذلك بكل رباطة جأش ، وكيف لا ، فهو الرئيس الذي لا صوت يعلو فوق صوته ، ولا حتى اجهزة الامن الثلاثة عشر او الثمانية عشر التي تدير كل شؤون الناس في سوريا بما فيها الزواج والطلاق والمرض والموت ، ومن اجل المصلحة العليا للبلاد فانها تعد على الناس انفاسهم يوما بيوم وساعة بساعة ، وخصصت لكل مواطن حارسا امنيا او اثنين لحمايته من الاختراق الخارجي ، ولولا ذلك ، لخربت البلاد وضاع اهلها .
والخبر الثاني او الـــ " سكوب " السياسي والاعلامي والديني ، الذي انفرد به الرئيس فهو انه يبغض الطائفية ويحاربها ولا يطيق سماع سيرتها ، فكل من قال نه علوي فهو كاذب ، ومن اتهمه بالتحيز لطائفته مثير للفتن ، ومن ادعى انه بادر الى تسليح ابناء طائفته العلوية المنتشرين في عموم سوريا متآمر ، اذا ، الرئيس ليس علويا ولا سنيا ولا درزيا ولا شيعيا ، مثلما كان الناس يظنون ، بل هو رئيس " محمدي " اي ينتمي للنبي محمد' صلى الله عليه وسلم .
اما الخبر الثالث فيتعلق بقرار الرئيس تحطيم حاجز الصمت عما فعله رئيس فرع الأمن السياسي السابق في درعا ، ولانه ابن خالته فقد اكتفى باقالته من منصبه لعدم وجود أي ادعاء شخصي ضده ، فالبلاغ امر ضروري لمحاكمته ، ولكن هيهات ان يجرؤ احد في سوريا او حتى في لبنان والاردن فلسطين ايضا على التقدم ببلاغ ضد رئيس الامن السياسي السوري الذي يثير الرعب في القلوب لمجرد ان يذكر اسمه .
لكن هناك ما هو اهم من كل ذلك وهو ان الرئيس الشاب أكد لوفد بلدة جوبر على " حاجة الناس للحرية والكرامة أكثر من حاجتهم الى الخبز" ، و" ان إطلاق النار على المتظاهرين خطأ غير مسموح ، ومن لديه اسم عنصر أمن أطلق النار فليزودنا به وسنقوم بمحاكمته ، وأن ما يجري من تعذيب للموقوفين غير مقبول وسببه العقلية الأمنية القديمة لدى عناصر الأمن ، وسيتم سحب الأمن من بين الناس بشكل نهائي " ، اما التلفزيون السوري " فهو لا يعمل بشكل جيد، وهناك مناطق قال التلفزيون إنه لا يوجد فيها تظاهرات وتبين لنا عكس ذلك " ، هذا ما قاله الرئيس الذي يخشى من هبوط شعبيته ، فاقسم اذا اكتشف تبوت ذلك فسيعود الى منزله ، فماذا يريد السوريون اكثر من هذا ؟ ومن اين لهم برئيس ديمقراطي متنور ومنفتح كالرئيس الاسد ؟
الله ينتقم منهم ، فلو كان هؤلاء سوريين وأكلوا من طعامها الشهي الذي ياتي اليه الناس من كل حدب وصوب ، وشربوا من مائها العذب البارد الذي يشفي غليل الارواح والقلوب ، لما فعلوا ما فعلوه ، هكذا صرحت سيدة سورية بسيطة لكاميرا التلفزيون الرسمي ، فقد سمعت في الاخبار ان العصابات المسلحة ارتكبت مجزرة في بلدة جسر الشغور الخاوية من الناس يصفر الريح في ازقتها الميتة ، حين دخلها الجيش رافعا شارة النصر ، فقد لجأ اهلها الى تركيا خوفا من فتك الجيش بهم ، لكن تلك السيدة البسيطة ، لم تشاهد دموع الطفلة السورية وهي تبكي بحرقة على فقدان والدها ، ولم تسمع نحيب سيدات اخريات في مثل عمرها كن على الجانب التركي من الحدود يندبن ابنائهن وازواجهن ، فربما ماتوا او اعتقلوا ، وفي الحالتين النتيجة واحدة ، فقد قال لنا الاولون ان في بلاد الشام ثمة بلد كل من دخلها فقد ، ومن خرج منها فقد ولد وكتبت له الحياة ، واليوم كأن النظام يقول اذا الشعب السوري اراد الحياة فلا بد له ان يرحل ...
لماذا كان من الطبيعي ان تقوم الدنيا ولا تقعد حين تم العثو على مقبرة جماعية في جسر الشغور تضم رفات عشرة من قوات الامن والشرطة ، وقبل ذلك الكمين الذي نصب لقوات الجيش وقتل فيه 120 جنديا ورجل امن ، ولم يكن طبيعيا الا يثور الناس على وجود مقابر مشابهة للمدنيين عثر عليها الاهالي في بلدات اخرى ، ولا يتحدثن احد عن حادثة تعذيب وبتر اعضاء الطفل حمزة الخطيب واطفال اخرون في مثل عمره ، اوليس هذا رد فعل انفعالي وغير مبرر من النظام حين يتعلق الامر بادعاءات عن محاولات وهمية لزعزعة اركان الدولة لصالح الاعداء .
ان تصعيد القمع يقابله تصعيد في االغليان الشعبي ، وتدهور في الاوضاع على كل الصعد ، واتساع في رقعة العنف والعنف المضاد ، وانفلات الامور من عقالها ، فلماذا لا يستغل النظام الفرصة ويراجع نفسه فيتراجع عن اساليب الترهيب وتشريد الاهالي العزل ، فالقاعدة تقول ان اي نظام زائل والشعب باق الى قيام الساعة ، وليس كما يعتقد اركان النظام بانه باق الى الابد مهما كلفه ذلك من ثمن ، ويكذب من يعتقد بان الشعب اما زائل ، واما راحل ، هذا الحال المايل في سوريا سيدفع البلاد الى المجهول بعكس ما هو مأمول ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق