ربيع في زمن القحط..!!
باسم ابو سمية
ليطمئن الذين في قلوبهم وهن ، فلن يحدث عنف في ايلول ، ولن يختلف ما قبل ايلول عما بعده ، ولن يتغير الشيء الكثير ، فكما يقول المثل : " ألف دعوة ما مزقت قميص ، والف زغرودة ما جوزت عريس "، ما يعني ان الكلام لا يودي ولا يجيب ، فنحن نريد عملا يفرض وقائع على الارض ، الا ان الغيوم الداكنة المتلبدة في سمائنا ، تشي باننا مقبلون على قحط في المال والسياسة قد يستمر لفترة طويلة .
في هذه الاجواء تلوح بارقة امل تبعث فينا بعض الطمانينة على الوضع الفلسطيني بعدما تناهى الى علمنا ان ربيعا شبابيا اخضر قد بدأ يزهر ، وان انشطة المجموعات الشبابية قد دخلت على خط النخبة السياسية الغارق بعضها في تفصيل رئيس حكومة تنطبق عليه المواصفات الفصائلية ، وانشغال البعض الاخر في تحليل اسباب انحسار السيولة المالية اللازمة لاطالة عمر السلطة ، والمحزن ان قطاع الموظفين هو المتضرر مما الت اليه احوال بيت مال الحكومة التي باتت على شفا الافلاس ، ولهذا فالحكومة الحالية لن تصرف لموظفيها سوى نصف راتب عن الشهر الماضي وربما الاتي .
وبينما تحشد الفصائل قواها لتشكيل حكومة تقاسم سياسي ، يلمع في سماء فلسطين بريق يبهر الابصار ، تشعله انشطة تمارسها مجموعات شبابية بحثا عما يحقق طموحات واحلام تختلف عما يختلج في صدور اهل السياسة واصحاب النفوذ والمشاريع ، لا تتوقف عند حدود 1967 ، وهذه المجموعات لا تبحث عن مناصب ولا عن مكاسب وادوار ، بل عناوين جديدة تقوم على الحقوق وليس الحلول ، وتتبنى المقاومة الشعبية التي ترى فيها الاداة الافضل للنضال الفلسطيني السلمي ولا سيما بعدما حققت تجربة بلعين نجاحا ملحوظا يمكن ان نسميه انتصارا للمقاومة الشعبية السلمية .
هذه المجموعات هي ذاتها التي مارست دورا كبيرا عبر فيس بوك لدفع حركتي فتح وحماس الى توقيع اتفاق المصالحة ، وقد بدأت مؤخرا بعقد لقاءات تناقش فيها برامج وافكارا ورؤى سياسية جديدة وهامة ، ومنها حقوق الفلسطينيين واحلامهم بلهجات تتنوع بتنوع الجغرافيا الفلسطينية من الناصرة واللد والمثلث والقدس ورام اللة وغزة والخليل ، وهؤلاء تحدثوا في عناوين كثيرة كالحرية والكرامة والمساواة والعدالة وحق العودة ، وناقشوا ايضا موضوع حل الدولة الواحدة وليس فقط حل الدولتين .
وكما هي عادتها ، فقد سارعت الاحز.اب السياسية والتنظيمات للزج بعناصرها في تلك المجموعات في محاولة للتأثير على انشطتها وقراراتها ، مثلما فعلت حركة حماس التي قررت وقف مقاطعتها لشبكات التواصل الاجتماعي ودعت عناصرها الى الانضمام لشبكة فيس بوك وتويتر ، واسعة الاستخدام في اوساط الشباب الفلسطينين اكثر منها في اوساط القيادات السياسية التقليدية ، لكن المجموعات الشبابية التي يتوقع لها ان تصبح مستقبلا حركات سياسية ذات تاثير طالما لم تستطع الاحزاب والحركات السياسية التقليدية تحقيق اهدافها في التحرر والاستقلال والعودة ، لكن المشكلة ان هذه المجموعات تفتقر حتى الان الى خطة عمل موحدة وبحاجة الى قيادة ذات خبرة .
تلك النشاطات تأتي في وقت تقود فيه الولايات المتحدة حملة لاحباط التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة وتعتزم تقديم طرح جديد يستبق ايلول بخطة تتضمن العودة الى المفاوضات بلا خرائط ولا ضمانات .
هذا في جانب ، وفي الجانب الاخر فهناك معطيات اضافية لا يغيب الشباب عنها وتتعلق بمساع تدعم التوجه الفلسطيني للاعتراف بدولة على حدود 1967 وتشكيل رئاسة اركان سياسية يقودها خمسة من كبار قادة السلطة لمواجهة الجهد الاميركي الرامي الى منع مجلس الامن من تأييد قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 ، بدعوى اعادة الطرفين اسرائيل والفلسطينين الى طاولة المفاوضات ، وهذا ما تضمنته البرقية السرية التي سلمها مبعوث السلام الامريكي ديفيد هيل يوم الرابع والعشرين من حزيران الماضي لنظيره الاوروبي في الرباعية الدولية خلال اجتماع بروكسل والتي تؤكد ان خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما في التاسع عشر من ايار الماضي هو الطريق الوحيد للتحرك نحو السلام المنشود .
وحسب تلك البرقية فقد قال هيل ان على الطرفين الاعتراف بالمباديء الاساسية التي وردت في خطاب اوباما ولا يسمح لأي منهما ولكليهما بتغيير كلمات الخطاب ولا حتى بمحاولة تفسيرها ، وسيعطيان هامش مرونة يقوم على سياسة ( خذ وهات ) ، وان اسرائيل رغم المعارضة القاطعة التي اظهرها نتنياهو تجاه خطة اوباما بخصوص حدود 1967 ، سوف تتحول في النهاية الى مرونة تسمح بالعودة الى مسار المفاوضات .
نكاد نلمس الحرص الاميركي على استقرار المنطقة وهدوئها ، فمعارضة المسعى الفلسطيني للتوجه الى الجمعية العامة للامم المتحدة هدفه المعلن الخشية من ان يؤدي الاعتراف بالدولة الى جولة جديدة من العنف بين اسرائيل والفلسطينين وربما اندلاع انتفاضة ثالثة يصنعها معشر الشباب ، ولهذا تبدي واشنطن اصرارا على الحيلولة دون ذلك باستخدام طرق شتى للمحافظة على ما يمكن تسميته بجاذبية للمفاوضات وضمان تحقيق اختراقات ، وعدم توقف عجلتها كما حصل في السابق ، وفي الوقت ذاته مساعدة الفلسطينين على الاستفادة من المصالحة بما يسمح للمجتمع الدولي بمواصلة العمل ، واختيار رئيس وزراء مقبول دوليا لقيادة حكومة خالية من العناصر غير المرغوب فيها لدى المجتمع الدولي . .
وعشية انعقاد اجتماع الرباعية الدولية في واشنطن بعد اسبوع من الان في الحادي عشر من تموز الجاري ، واشتداد الحملة الاميركية لاستئناف المفاوضات واسرائيل فان الرئيس ابو مازن لا يخفي وقوفه مع خيار التفاوض اولا وثانيا وثالثا ( هكذا قال في اتصال مع اذاعة صوت فلسطين في الذكرى السابعة عشرة لتاسيسها ) ، ولكن هذه الرغبة مقرونة بوقوف العالم مع الحق الفلسطيني بدولة على حدود 1967 ووقف الاستيطان ، واذا لم ينجح هذا الخيار فلن يكون امام السلطة الفلسطينية الا التوجه للامم المتحدة ، مع ان ما بعد ايلول لن يغير الكثير على ارض الواقع على صعيد اقامة الدولة المستقلة .
في الخلاصة فان التظاهر بانشغال النخبة السياسية بالمصالحة لا يعني الحرص على انجازها ولا البحث عمن يتحمل مسؤولية تاخيرها ، بل استغلال الظرف لتركيب الحكومة كيفما اتفق ، فالمصالحة ليس لها تاريخ صلاحية محدد ، ولم تصل الى طريق مسدود وبامكانها الانتظار شهر او شهرين او اكثر ريثما يتم انجاز ملفات اكثر اهمية ، اما الحكومة التي حشدت جميع الفصائل كل طاقاتها وشحذت عناصرها للانخراط في تركيبتها المقترحة فهي في نظرنا ليست حكومة وحدة وطنية ولا حكومة مشاركة ولا محاصصة ولا تقاسم ، وانما خلية حكم لفترة انتقالية عمرها لا يتعدى بضعة اشهر تتفرغ خلالها للاعداد لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية واعادة اعمار غزة ، ، ومحق كل من يتحدث عن عدم جدوى انعقاد اللقاء الذي تأجل بين الرئيس ابو مازن ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس ابو الوليد لأن اللقاء كان سيغرق في دوامة تسمية رئيس حكومة مؤقتة يكمن الشيطان في تفاصيل تشكيلها ، ويبقى الامل يلوح في افق انشطة المجموعات الشبابية الساطعة في رام الله وتجتذب اليها عشرات الشبان من الناصرة واللد والخليل وغزة ورام اللة وطولكرم وغيرها ، فهي كالربيع الذي يحل في زمن القحط ، وهو من افضل واجمل ما اتسمت به الحالة الفلسطينية في العقود الاخيرة ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق