لا اساس لاستئناف المفاوضات ..!!
باسم ابوسمية
حبسنا الانفاس ، وقرأنا بنهم شديد كل ما قيل وما تسرب عما يمكن ان يقوله الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه الاخير ، وحين جاء موعد الكلام توقف هدير الثرثرة وساد السكون ، وعلا وجيف القلوب وتحلق الخلق كلهم حول اجهزة التلفزة ، حتى ان الحكام العرب المشغولة بلدانهم في ثورات شعبية تابعوا بشغف شديد خطاب الرئيس ، فاذا به يقول كلاما لم يقله من قبل احد من الزعماء في الشرق وفي الغرب في ذكر مزايا الثورات العربية ، واشاد بالتونسي محمد بوعزيزي الذي احرق نفسه فاشعل شرارة الثورات العربية ، واتهم حكاما ومسؤولين عربا بقمع شعوبهم وطالبهم بوقف الاستبداد ، وفتح ابواب بلدانهم للديمقراطية .
ما كانت خطبة الرئيس الامريكي عرجاء ولا هوجاء ، بل كانت كسحاء ، فلم تقدم اساسا يغري الفلسطينين بالعودة الى مائدة المفاوضات ، ورغم انه تحدث عن دولة في حدود 67 ، الا انه لم يتحدث عن الاستيطان ، وساوى بين الفلسطينين والاسرائيلين في المسؤولية عن افشال المفاوضات ، لقد قصد كل كلمة قالها في الخطاب ، والى جانب ما ذكر كاد ان يقول بان وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون التي جابت العالم طولا وعرضا في استة اشهر الاخيرة هي التي خلخلت وتد الهدوء الذي كان سائدا في البلدان العربية لعقود طويلة وحرضت الشارع العربي على الحكام ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من لا زال ينتظر .
لا السياسيين ولا المحللين ولا قادة الفصائل الافاضل اصابوا كبد الحقيقة في وصف الخطاب او التعليق عليه ، في حين كان من السهل عليهم فعل ذلك ، فقد جاء الخطاب نسخة طبق الاصل مع بعض التعديلات التي اقتضتها الظروف الاستثنائية عن خطابه الذي القاه في القاهرة قبل عامين ، ويوما ظهر الرجل الاسمر طويل القامة والمبتسم دائما، ودودا وسحر كل الحاضرين والمشاهدين بلطفه ولباقته ، ويومها خاطب العرب والمسلمين الحاضرين والغائبين وتحدث عن اهمية الديمقراطية وضرورة تعميمها في العالم العربي الخبير في قمع الحريات ، وساد الاعتقاد حينها ان المشكلة الفلسطينية قد قاربت على الحل ، ففرحنا وهللنا وقلنا في اوباما من الشعر والنثر ما لم يقله مالك في الخمر ، وبعد ان ذهبت السكرة وجاءت الفكرة تسرب الاحباط واليأس الى قلوبنا ، فالعم ابو حسين اوباما لم يكن سوى مجرد كلمنجي ، يتقن العزف على الوتر الحساس ، ويعرف ان العرب تقودهم عواطفهم ، وهذا ما حصل .
من كان ينتظر ان يأتي الفرج من الولايات المتحدة ، فقد خاب امله ، ومن اعتقد ان الرئيس اوباما كان يحمل في جعبته حلا سحريا للقضية الفلسطينية ، فقد اخطأ حدسه ، ومن ظن ان اوباما يمكنه ان يخرج عن خط العلاقة الاستراتيجية بين بلاده واسرائيل فقد كان واهما ، او مصابا بالخرف الفكري ، الا انه يحسب لسيد البيت الابيض ، انه لم يتجاهل المطالبة بحق عودة للفلسطينين ، ولكن العودة الى طاولة المفاوضات ، ولعل هذه المحاولة الاميركية الالف لجمع الطرفين على مائدة المفاوضات ، ولكن دونما فائدة تذكر ، فما الذي استجد ليدعوهما الى التفاوض بعد سبعة عشر عاما من الفشل المتراكم ، وعلى ماذا يتفاوضون ، فقد قررت اسرائيل مواصلة الاستيطان في مدينة القدس فيما كان يلقي اوباما خطابه الاول بعد اندلاع الثورات العربية والثاني منذ سنة 2009 الذي وجهه للعالمين الاسلامي والعربي ولم يتغير في اثره شيء يذكر .
وبالامس ، في خطابه الذي اختار له مكانا يوحي بان الكلام الذي سيلقي به في مهاوي العرب يحمل طابع العمل الجدي وليس مجرد ترتيب جمل سياسية فقط ، فتحدث من وزارة الخارجية في محاولة للايحاء باجواء التعايش الدافيء بين المصالح الاميركية وبين رياح التغيير التي هبت على العالم العربي ، فما تفضل به الزعيم الديمقراطي ، لم يكن جديدا ولا مستغربا بل كان متوقعا ونشرت مقتتطفات منه في الصحف العبرية على رغم النفي الذي ادعاه البيت الابيض ببطلان ما نشر من تسريبات عن مضمون الخطاب قبل ايام من القائه .
وعود بالدعم المالي ومساعدات بمليارات الدولارات الاميركية لتغطية العجز وتحريك عجلة الاقتصاد في تونس ومصر ، والتلويح بعصى العقوبات ضد الانظمة المتمردة على الارادة الاميركية ، فاما التغيير او الرحيل ، هذا كان ابرز ما في الخطاب على المستوى العربي اما في الموضوع الفلسطيني ، فقد ارتج عليه ولم يستطع ان يقول كلاما مغايرا لما كان قاله من قبل اكثر من مرة ، فهو يؤمن بحق الفلسطينين في دولة ، ولكن ليس على حساب دولة اسرائيل اليهودية وامنها وحدودها وراحة مستوطنيها ، واعاد التأكيد على ان الولايات المتحدة رغم كبر حجمها ونفوذها وقوة عضلاتها التي تخيف بها كل من يفكر بالخروج عن طاعتها لا تستطيع فرض الحل على اسرائيل .
الى هذا الحد وكفى ، فلا احد يمكنه تجاوز خطوط اسرائيل الحمراء . فالرئيس اوباما يعلم كل العلم ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يؤمن بتقديم اي تنازلات تؤدي لاتفاق سلام في الشرق الاوسط ، وليس هناك من يجبره على ذلك لا اوباما ولا غيره ، ولكن اوباما غامر في القول بان الحل في الشرق الأوسط، يجب إن يكون بإقامة دولة فلسطينية في حدود 67، وسرعان ما صدر عن نتنياهو بيانا شديد اللهجة، قال فيه: إن إسرائيل لن تنسحب إلى حدود 67 لأنها غير آمنة ولا يمكن الدفاع عنها.
لا كلام يعلو فوق كلام نتياهو الذي كشر عن انيابه ، وبدا مكفهرا وجاهزا للانقضاض على اوباما واشباعه ضربا ولكما ، بعدما اتضح انه لا يفهم واقع الشرق الاوسط ، ولا يعرف ماذا يعني الانسحاب الى حدود 67 من خطر على الاستيطان ، وماذا يعني بقاء غور الأردن بلا جيش اسرائيلي ، هكذا هو رأي قادة اسرائيل المعلن في الرئيس الاميركي ، رئيس دولة عظمى تقود العالم من غربه الى شرقه لم يقرأ السياسة الاسرائيلية مثلما يجب ، لكن نتنياهو الغاضب لم يفته حاجته الى حليفه لمنع توجه السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن في ابلول المقبل طالبة الاعتراف بالدولة على حدود 67 ، مثلما اعلن اوباما نفسه ، والحاجة الى اوباما ليس فقط من خلال استعمال الفيتو الأميركي في المجلس ، وإنما أيضا في إقناع الدول الأوروبية المترددة ، بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وبالتالي اجبار السلطة على العودة للمفاوضات .
كيف فاتت على رئيس دولة عظمى كالولايات المتحدة بان حدود 1967 لا تعتبر بالنسبة لاسرائيل حدودا يمكن الدفاع عنها ، فاسرائيل تقدر التزام اوباما بالسلام ولكنها ترى بانه من الان وحتى يسود هذا السلام ، ان حصل ، لا يمكن اقامة دولة فلسطينية على حساب وجود دولة اسرائيل ، لا ندري كيف نسي اوباما هذه الحقيقة الاسرائيلية التي قد تطيح بنظام حكمه .
ويل لاوباما من اسرائيل ، فقد جاء خطابه ، خطاب تقسيم ، هكذا قالت صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية في اليوم الذي تلا الخطاب مشبهة ما جاء فيه بقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة والذي قسم فلسطين التاريخية الى دولتين فلسطينية لا زالت تنتظر ، واسرائيلية لا زالت تصارع حق وجودها وتحقيق الاعتراف الاقليمي والعربي فيها. والمثير للاستغراب انها اعتبرت الخطاب عملية انتقامية امريكية ردا على فشل المفاوضات ، انه امر يثير في داخلي رغبة جامحة للضحك ، على ما وصلت اليه الاحوال .
وفيما يتعلق بالعنصر الفلسطيني الاسرائيلي الذي جاء في نهاية الخطاب اعتبرت الصحيفة الاسس التي اوردها الرئيس اوباما ضمن الاشياء المعروفة سلفا والتي لا تحتاج الى الكثير من الفهم والادراك للتأكد بأنها سترد في الخطاب، مضيفة :" ما جاء في الخطاب حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني امرا مفهوما ومعروفا سلفا وكل طفل صغير يعرف ان الحل سيستند على مثل هذه الاسس مع بعض الاضافات هنا او هناك ..
واذا كان هذا هو حال اسرائيل التي يفترض فيها ان تضحك في عبها كما يقولون ، فماذا عن خيبة الامل والاحباط الذي حل بالفلسطينين ، وما يتربص بمشروع الاعتراف بالدولة المستقلة في ايلول المقبل من مخاطر اولها وقوف الولايات المتحدة في مواجهته ، وهنا يحق لنا وصف كلام اوباما في هذا السياق بالاهوج وليس فقط بالاعرج ، الا يدرك ان الموقف الاسرائيلي الذي اعقب خطابه بمثابة ضربة قاضية للقضية الفلسطينية ولفكرة الدولة على حدود 67 التي ربما سيتراجع عنها بعد لقائه بنتيناهو في البيت الابيض ، ويؤسفنا ان الرئيس الامريكي وقف الى جانب اسرائيل وسد الطريق على مطالبتنا بالدولة المستقلة ولم يقترح صيغة لمعاودة المفاوضات المتوقفة ، ولم يتخذ موقفا واضحاً ، بل ترك الأطراف كل واحد يفسر اقواله كيفما يشاء ، وهذا اخطر ما في الامر ، وباختصار فان اوباما من وجهة نظر السلطة الفلسطينية لم يقدم اي اساس للعودة الى المفاوضات ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق