الثلاثاء، 31 مايو 2011

الشعب لا يريد حكومة


الشعب  لا يريد حكومة ..!!
باسم ابو سمية
منذ ان بدأ تشكيل الحكومات في بلادنا ونحن نسمع عن شعارات رفعت ولم تنفذ ، منها مكافحة الفقر والبطالة وتقليص الهوة الاقتصادية  والاجتماعية ، وجعل الناس  يستفيدون من منافع الاستثمارات  في بناء المنشأت والمدن السكنية بحيث تشمل كل شرائح المجتمع في كل المناطق الفلسطينية على نحو متكافئ ، اضافة الى ذلك  وقف هجرة الادمغة وايجاد فرص عمل جديدة  للكفاءات المدفونة في فلسطين وخارجها ، فهذه المواضيع تأتي  في اول اولويات الناس واهتماماتهم  وينبغي على السلطة  التعامل معها بكل  مسؤولية ، فقد  كانت  سببا في اهتزاز ثقة  المواطنين بالحكومات المتعاقبة .
بعض الذين شاؤوا تلطيف ألاجواء المصاحبة لتشكيل الحكومة الفدرالية بين فتح وحماس  يدركون ولا يعترفون بان حكومة تقاسم الحصص التي يجري تشكيلها وراء الكواليس تعجل  في الانزلاق نحو الانقسام والتقسيم ، هكذا نرى الامور بواقعية شديدة وبلا مواربة او مجاملة .
 خطورة هذا الامر تكمن في الظرف السياسي الحالي الملتبس والمرشح الى التدهور  بعد خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنجامين نتنياهو امام اعضاء الكونغرس الامريكي الذين صفقوا له حتى احمرت اكفهم ، وهو ظرف يحمل بذور الانفجار  في عز الحاجة الفلسطينية الى دولة ومؤسسات واستثمارات واموال  وطنية  ،  وليس انتظار مساعدات المانحين واموال الضرائب التي تحجتزها اسرائيل ، ونريد القول ان الاتكال على المساعدات الدولية وحتى العربية الشهرية او السنوية بلا استثمارت وطنية  سيعجل في انهيار مشروع الدولة قبل قيامها .
فما معنى ان نتحدث عن دولة مستقلة في حدود 1967 ، ولا ننجح في تشكيل حكومة مستقلين لتسيير الاعمال دون ان تتعاطى في  السياسة  الى حين اجراء الانتخابات ،  وكل ما يجري من حولنا  يثير ما هو اكثرمن الخوف من المستقبل  ،  فاي مصلحة للفصائل  في تداول مئات الاسماء كمرشحين لرئاسة الحكومة  ووزراتها ،  واين هي هذه المصلحة في سلم  اهتمامات الناس ، وماذا يهم  الناس وسط احوالهم المريعة  اذا  ما اصبح  لقب الوزير هو الشغل الشاغل لكل فصائل المقاومة والممانعة والعمل الوطني ،  اليس افتعال الغرق في تسمية الوزراء  يعد  انحرافا نحو الانقسام واعادة تقسيم الوطن  رغما عن ارادة اهله..!!

 لقد صارت اخبار التشكيل الحكومي مثل احاديث الصالونات النسائية ،  فما ان يجتمعن حتى تبدأ الثرثرة التي تدوم وتدوم ولا تنتهي  حول  اخر الاخبار عمن سيصبح وزيرا للثروة الحيوانية ، او وزارة المياه والري  او وزارة الثقافة ، الى اخر القائمة ، هذا هو حال التشكيل الوزارى لحكومة المستقلين الموعودة في فلسطين ، وهي في راينا حكومة موعودة بالعذاب ، ففي  كل مرة تنشر فيها اسماء المرشحين  تصبح محل تندر ، لماذا محمد مصطفى  وليس سلام فياض ، وسرعان ما يتداعى  المسربون من كبار المسؤولين الى تسريب  قوائم  باسماء كثيرة كمرشحين للتشكيلة الحكومية ، ولكثرة القوائم التي ترددت  منذ اتفاق المصالحة وحتى الان  اختلط الامر على الناس .

  بعد المصالحة  الفلسطينية قيل ان الحكومة  الجديدة سوف تتشكل من شخصيات مستقلة تماما ، لا هي من حماس ولا هي من فتح ، وستنحصر مهمتها في التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعة  وادارة شؤون الوزرات  ، اما الاسماء المسربة فهي ليست كذلك فثمة اشخاص معروفون بانهم  اما اعضاء في فتح او في حماس او مؤيدين لهما ،  فلماذا استغفال الناس بهذه الطريقة المكشوفة ، فغنمات جحا  كما يقول المثل معروفة ، واحدة نائمة وواحدة قائمة ، والكل في فلسطين يعرفون خلفايات بعضهم البعض ويعرف كل واحد الطفولة  والمراهقة السياسية  للاخر  منذ ايام الاحتلال حتى اليوم .

لم يقل لنا احد ان تشكيلة حكومة المستقلين العتيدة  لتصريف شؤون الناس قد تستغرق وقتا اطول مما استغرقته حوارات المصالحة ، وفي كل يوم يمر تطالعنا المصادر بلائحة مختلفة عما سبقها  ، ومن المفارقات المضحكة انه  تم  تداول نصف الشعب الفلسطيني كمرشحين لرئاسة الحكومة او عضويتها ، هل هذه اشارة الى ان  مشاكل الشعب الفلسطيني قد انتهت ولم يبق  لديهم سوى مشكلة  تشكيل الحكومة .

 لا يهم الناس اذا تشكلت الحكومة  ام لا ، فالامر بالنسبة اليهم سيان طالما ان الحكومات المتعاقبة منذ اول انتخابات تشريعية ،  لم تنجح في احداث تغيير جذري ملموس في  الاحوال المعيشية والاجتماعية والسياسية ايضا  ، والدليل على ذلك ان الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات لم يتوقف يوما عن الشكوى والعويل على ما وصل اليه الحال من تراجع في الاوضاع وزيادة االفقر  وتعاظم نسبة  البطالة ، اللهم الا موظفي الحكومة الذين بقوا خارج التداول كفقراء الى حد ما فقد وفرت لهم اموال الدول المانحة  رواتب  ثابتة  تكفيهم شر السؤال في اسوأ الاحوال  .

الذي حدد مهمات حكومة المستقلين هو الرئيس ابو مازن  وليس احد غيره ،  واكد انه لن يترشح للرئاسة ، ودعا فتح للبحث عن شخص آخر ليصبح رئيسا ، لكننا فوجئنا ، بان الاشخاص الذين تمضغهم الالسنة لاشغال مختلف الوزارات ليسوا مستقلين مطلقا عن الحزبين الكبيرين فتح وحماس ، بل ان غالبيتهم  اما حمساويين سابقين او مستقلين فتحاويين ، وربما ان هؤلاء من الخلايا النائمة للحركتين ، وبعضهم  مدراء ابتسم لهم الحظ ليصبحوا وزراء  .

لم يعد الوضع  الفلسطيني الداخلي المأزوم معيشيا واقتصاديا وسياسيا ، ولا الوضع الاقليمي المتفجر في اكثر من دولة  حولنا يسمحان بالاستمرار مضغ الاسماء صباحا  وبصقها مساء  ، وما قد يسببه  ذلك من تداعيات ،  و يتعين على الرئيس اتخاذ  خطوة جريئة بتحمل مسؤولياته امام شعبه  فيوقف ظاهرة قوائم الاسماء  وتأليف حكومة  ترضي كل الناس قبل ان ترضي اهل السياسة واصحاب الاحزاب والفصائل ، حكومة لا تتعاطى في الشأن السياسي  بعيدة عن التقاسم والحصص  تتفرغ لادارة  الشأن العام .

لماذا نقترح حكومة الناس وليس الفصائل ، لان هذا يغنينا عن تجاذبات قوائم المرشحين ومواصفاتهم  ، فالمطلوب من حكومة كهذه  الاهتمام  بتوفير الاموال لموظفيها وللمؤسسات  وللمدارس والعيادات الصحية للارتقاء يالخدمات الصحية المريعة ،  وتعزيز الاستثمارات  كواحد من الاسس لبناء الوطن والحفاظ على منجزات مشروع بناء المؤسسات الذي يسدجل لرئيس الحكومة المرفوض حمساويا سلام فياض ، ويمكن القول بكل بساطة ان الناس  قد ملوا  التسميات  والتشكيلات  من حكومة الوحدة الوطنية  الى تصريف الاعمال ، الى التسيير والتكنوقراط على بلاط  ، والكفاءات ، والانقاذ ،   فالناس لا يهمهم  من يحكم بل كيف يحكم  ، فمعالجة  الازمات ومواجهة  التحديات يحقق للوطن والمواطن من يصبو اليه من تحسن للاحوال المعيشية .
لكن كل ما كان يحصل  في كل حكومة تتشكل كان على العكس من ذلك تماما ، فقضايا  الناس كانت في اخر قائمة الاولويات على افتراض ان هناك قوائم ، فمصالح الناس  اهملت منذ وقوع  الانقلاب وتبادل الاتهامات والاقتتال وتفاقم الاوضاع الداخلية .
لا تظنوا ان المصالحة قد انجزت كل قضايا الخلاف فما زال هناك الكثير امام الفريقين لتحقيقه ، وستظل تلك القضايا حجر عثرة في طريق تشكيل الحكومة الجديدة ، علما ان تشكيلها او عدمه  لم يعد في نظر الناس  امرا  ضروريا  ولا ملحا ، فيكفينا حكومة تكلف بادارة الشؤون العامة  ،  فدقة المرحلة الراهنة  وخطورتها محليا واقليميا ودوليا ، تتطلب قيادة سياسية تجتمع على  برنامج سياسي واحد  ، وليس حكومة تتعارض سياستها مع سياسة قيادتها .
مطلوب من الرئيس ان يحزم  امره  للخروج بحكومة كفاءات تحظى بثقة الناس ورضاهم ، حكومة من الداخل والخارج وليس من غزة والضفة فقط ، وليتحمل المرشحون عندئذ مسؤولية مستقبل الناس ، وان تترك مسؤولية الوطن لقيادة منظمة التحرير بعد اجراء التعديلات المطلوبة في هيكليتها ورموزها ،  فهي الجهة الشرعية الوحيدة  التي تمتلك القدرة على اتخاذ القرار ، اما مسؤولية الحكومة فهي ادارة شؤون الناس ، وهي مسؤولية لا تقل أهمية عن اتخاذ القرار السياسي  فكل منهما  يعد حجر زاوية  في بناء  الوطن ..!!.

الأحد، 29 مايو 2011

ايها الفتى حمزة

با ايها الفتى  المدثر ..  قم فانذر  ... !!
باسم ابوسمية
لم اكن اعرف الفتى الشهيد حمزة الخطيب  ولا حكايته الى ان  رأيت اثار التعذيب تمزق جسده  اليافع الطري ، ومنذ ذلك الوقت وانا  اغرق  كل يوم اكثر فاكثر في بحر من الحزن والالم على المستقبل الذي ينتظر جيل  الشباب في ظل حكم  يباب ودار خراب ، ولكن عزائي وعزاء غيرى ان تكون عملية قتل حمزة  تحت التعذيب قد فتحت  بابا لن يستطيع مرتكبو الجريمة  اغلاقه  ، فهذه الجريمة البشعة  تضع  النظام الحاكم تحت طائلة  تقديم افادة حول المسؤول عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق شعبه منذ مجزرة 1982 ، حيث قتل انذاك 50 الف انسان ، وسجل نحو 12 الف في عداد المفقودين ما زال البحث يجري عنهم حتى هذا اليوم  ، الى جريمة اغتيال فتية وشبان اخرين  منهم  الشهيد حمزة ابن الثلاثة عشر ربيعا .
ايا كان الفعل الذي ارتكبه حمزة ، سواء بتجاوز اوامر الامن بالتظاهر أو الهتاف بسقوط النظام ، فليس ثمة ما يستدعي  قتله بتلك الطريقة المثيرة للقشعريرة  ، وبين ليلة وضحاها غاب الفتى حمزة ، ولم يعد بامكانه  العودة الى مقاعد الدراسة والجلوس الى جانب زملائه  يحدثهم عن تجربته في المقاومة على طريقته  والاستشهاد على طريقة رجال الامن  ، وهكذا  بكل بساطة اغتيلت احلام الفتى حمزة  لكنه  ترك ذكريات  اليمة تدق جدران خزان مملوء بالقهر والبطش ،  وحمزة  ليس  الوحيد  الذي  هز مقتله مشاعر كل من رأى المشاهد الفظيعة  لتعذيب وقتل الطفل الجميل البسيط ، فقد قتل فتية وشبان اخرون كانوا في عمر الورود  بنفس الطريقة او بطرق مشابهة ، ومنهم احمد 18 عاما  الذي خرج لشراء علبة سجائر  فاختطفه الامن الى مكان مجهول  ، ولم تجرؤ عائلته البائسة على السؤال عنه كي  لا تفتح عيون العسس على اخوته ، وبعد عشرة ايام اعيدت جثته الى امه الثكلي وعليها اثار تعذيب تبعث على الغثيان والقشعريرة ، وبدافع الخوف قام اهله بدفنه سرا قبل التحقق من الادعاء القائل بان اعضاء من جسده قد سرقت .
اما حكاية الشهيد الفتى حمزة الخطيب ، فتختلف عن كل الحكايات  ، وان كان هناك ثمة رابط بين كل الجرائم  التي تخفي وراءها ازمة  النظام  ووحشية المسؤولين الامنيين ، فقد اعتقل واقتيد الى مكان غير معروف وهناك عذب  بوحشية حتى الموت   وبعد شهر سلمت جثته لذويه وعليها اثر تعذيب شنيع ، فقد كسر عنقه وقطع عضوه التناسلي ، واطلق عليه الرصاص  في الصدر وفي انحاء جسده  من مكان قريب ، وهكذا كان حال اثنين  من ذوي الاحتياجات الخاصة ليسا من الارهابين او السلفيين ولا مجرمين  ، بل فتية امنوا بوطنهم وبحريته  ،  وكلاهما قتل بكسر عنقه ، اما  دوافع هذه الجرائم البشعة  فهي الحفاظ على شعار الصمود والتصدي والممانعة .
تلك الجرائم اثارت جدلا ساخنا ومريرا  بين الناس  فانقسموا الى ثلاث فئات ، الاولى اعتبرت الجريمة  دليلا على وحشية النظام ، والثانية نفت ان تكون الاجهزة الامنية من ارتكبها ، والفئة الثالثة التزمت بموقف انساني  يدعو الى تحقيق لكشف ملابسات الجريمة ، لكن المشاهد التي عرضت لجثمان حمزة كانت خير دليل على ان الجريمة ارتكبت بصورة لا تمت الى الانسانية بأية صلة ،  وان مرتكبيها هم من ذوي الدم البارد ،  لكن اغرب ما في الامر ان طبيبا شرعيا  استضافته قناة خاصة قد حاول اثبات بطلان  رواية الاهالي عن اسباب موت حمزة بالقول ان ما عرض من صور لجثة حمزة ادعاءات كاذبة حيث تم استخدام  عمليات تجميل مثلما يفعل  اهل هوليوود  ، لا اعرف اذا ما كان علينا ان نضحك ، ام نبكي في مواجهة هذه الاقوال لطبيب شرعي محلف .
 الستم معي في ان كل  من يدب على الارض  يحترم ويقدر  النظام الممانع ،ولا نقول يخشاه  ويحسب له الف حساب ،  فلكل بني ادم رواية  تشبه الخيال  ، هكذا هي  الـمقاومة والممانعة والاصلاح  اذا  ، ما  يعني ان النظام بتشدده  واذلاله للناس  يمارس فعلا  من افعال المقاومة ، ويسجل انتصارات ضد ايناء شعبه   ويزرع  الرعب في قلوب الاطفال والفتية  كحمزة واقرانه  ، كيف لا  ، وهو  ينشغل منذ اربعة واربعين عاما  في رسم الخطط وبناء الدشم وتعزيز التسليح  ولم يتسنى له التقاط انفاسه منتظرا ساعة  تحرير الارض والانسان واختيار الزمان والمكان المناسبين للمعركة الفاصلة مع  العدو  المحتل  ، الى ان جاء حمزة واقرانه   ليقفوا في وجه مشروع التحرير  .
  لا نريد فتح ابواب الجدل عن اسباب امتناع النظام  عن ممارسة فعل المقاومة على مدى السنوات الماضية  ، فقد احتلت اراضيه منذ ان كنا اطفالا صغار نلهو في الازقة  والحارات وها نحن الان نعبر العقد السادس من العمر  ولم  يحرر اراضيه  ، بل ظل صامدا صابرا  وممانعا ،  لكنه لم يرفع  الظلم عن ابناء شعبه المطالب بحرية التعبير ، ولكننا نطرح سؤالا استنكاريا :   لماذا لم يقم بكل تلك المهمات الوطنية ، هل انتبه احدكم الى انه كان بودنا تجنب طرح  سؤالنا  ا لكننا لم نستطع   فنتائج التحقيق اذا حصل  ، ستظهر بدون شك الحقيقة الساطعة  بان  النظام صادق  ، اما رواية الشهداء  فكاذبة .
انه فعلا نظام صامد وصابر من النوع  الصعب الممتنع  والمتصدي  لكل المؤامرات ، ولذلك فلا نريد له  ان يصبح لقمة سائغة للمؤامرات الخارجية التي يحيكها الاعداء الامبرياليون  والصهاينة ،  ولا ان يكون هدفا سهلا للارهاب والسلفية  التي يزج في اتونها  اطفال في الثالثة عشرة من العمر بينهم  طفل وسيم وطيب اسمه حمزة الخطيب اعتقل ذات نهار ،  وكسرت عنقة وقطع عضوه التناسلي وعذب حتى الموت ، وهو واحد من كثيرين في مثل عمره قتلوا على مذبح النظام في محاولة لمنع انكسار  صورته القومية  امام شعبه  ، وحتى لا يتبعثر  كبرياءه  الثوري ، ويتحطم صموده الاسطوري  ، فتذهب تضحياته وسهر لياليه الطوال لحماية  ارضه وحدوده  ، هباء منثورا .
ولكن السؤال يلح  علينا  في لجة الاحداث الدامية :  لماذا  الادعاء  بالمقاومة والممانعة حين يكون أي نظام من الانظمة  لم  يمارسها ولم يسمح  لاي طرف بعمل مقاوم واحد  وما الحكمة في عدم اطلاق  رصاصة واحدة ، او الاجهار بتهديد  أو تحذير، او السماح   بعملية فدائية على مر السنين الطويلة الماضية   ، بل ان الجهة التي تحتل الجولان نعمت طوال تلك السنين بهدوء واستقرار وامن لم تنعم به تل ابيب وغيرها من المدن ،  وخلال تلك السنوات الطويلة اقيمت مدنا استيطانية  وقرى زراعية  ومزارع  اصبحت  سلة الغذاء من فواكه وخضار تشبع سكان تلك البلد والبلدان المجاورة ، وتصدر الى اوروبا وامريكا مما تجود به الارض المحتلة .
 ربما ان هناك ما لا ندركه في علم  الامن الحديث الذي ينتهجه  الحكام الديمقراطيون ، وهو ان  كم الافواه وكبت الحريات  اصبح شكلا من الممانعة  ، وتعذيب الاطفال وقطع اعضائهم ، مقاومة ، واعتقال المحتجين والتنكيل بهم اصلاحا ، اما احتلال اسرائيل الارض لاربعة واربعين سنة متتاليات وحشوها بالمستوطنات والمزارع الخضراء  وتحويل  الارض الجرداء الى سهول  وحقول يانعة  تحبل وتلد عدة مرات في العام الواحد ، فيخضع   لظروف  مكان وزمان معركة استرداد الارض المحتلة .
 هناك من يريد القول بان  من يقف في وجه مشروع التحرير هو فتى في ريعان صباه  كحمزة الخطيب والصبية المعتقلة طل الملوحي  ابنة الخامسة عشرة المتهمة بالتعامل مع المخابرات الاميركية وامثالهما من ابناء جيل " المؤامرة "  ممن يحملون ارواحهم على اكفهم ويرفعون  شعارات الحرية والديمقراطية ، هؤلاء هم  الذين عطلوا تحرير الارض وشوشوا على الخطط العسكرية وكشفوا المخطط السري الذي جرى اعداده لمباغتة  العدو الاسرائيلي  واقتلاعه ، أهذه هي نظرية التطور والارتقاء في القمع ،  الثوار متآمرون ، والنظام مقاوم وممانع ، الم يقل هذا  سماحته  في اطلالته الاخيرة .
 يا ايها الفتية  حمزة ، واحمد ، ومرشد وعبد الله  وباقي الشهداء الذين  لفظوا انفاسهم الاخيرة   تحت التعذيب  والقيت جثامينهم على قارعة الطريق  ، بعد تمزيقها ، قوموا فانذروا  ، ولربكم فكبروا ، وحدثوا الناس عما حل بكم ، وقولوا ان الذي مثل بجثثكم مجرم لا يريد الخير للبلاد  ولا لابنائها  ،  ولتعلموا انكم مجرد  رسائل ،  مفادها ان كل من يرفع رأسه ، ستكسر عنقه  او يشق جسده من النحر الى اسفل البطن  ، واعجب كل العجب كيف ان طبيبا شرعيا محلفا  طاوعه قلبه وسمح له ضميره  بالقول ان ما ظهر على جثمان حمزة من تعذيب يشبه ما يفعله صناع افلام هوليوود ، ولربما يجبر والد حمزة ،  الذي جرته عناصر الامن من عنقه على الادلاء بافادة متلفزة  بان الارهابين هم من قتلوا فلذة كبده  ومثلوا بجثته ،  ولاننا حريصون على مصلحة البلاد وشعبها  وعلى بقائها قوية في مواجهة الاعداء  فاننا ننظر الى ما يجري  على انه امر خطير ومدعاة  للقلق  ولا يمكن  السكوت عنه ، بل يجب تضافر المؤسسات الحقوقية  والانسانية  والمجتمع الدولي  والنظام لوقف سفك الدماء  واعمال التعذيب البشع ، والكشف عمن يقففون وراء هذه الجرائم ومحاكمتهم  في  ميدان عام  ، ليكونوا عبرة لغيرهم  من الطغاة  والمستبدين ..!!
 

الاثنين، 23 مايو 2011

مثل صيد السمك في البحر الميت ..!!
باسم ابو سمية

لقد حان الوقت الذي يتعين فيه علينا عدم اضاعة فرصة  اخرى  واتخاذ  القرار الصحيح  ولو لمرة واحدة  ، فقد  اضعنا فرصا  كثيرة  في السابق  مرت من بين اصابعنا  كالماء دون  ان نحس  ، فاذا بنا ندمن عض الاصابع  واللطم  على الخدود  ،  واصبح حالنا السياسي على مر الزمن كحال ذالك الرجل  الذي افنى عمره  جالسا على شاطيء البحر الميت  في محاولة  لصيد السمك ولم  يصطاد  سمكة واحدة ، فهو لم يكن  يعلم ان  البحر ميت لا حياة  فيه ، شديد الملوحة ، طينه الاسود وأشعة  شمسه فوق البنفسجية ربما يفيدان في   علاج  البشرة . 

من الطبيعي ان يثير خطابا الرئيس الامريكي باراك اوباما جدلا  وتحليلات مختلفة ، وآراء متباينة ،  وخلافات في الرأي ، وقد يذهب البعض الى ابعد من ذلك باتهام الرئيس الامريكي بالتآمر ومحاولة احتواء الثورات العربية والالتفاف عليها وسرقتها  وتسجيلها باسم الولايات المتحدة ، وبانه اسرائيلي اكثر من نتنياهو ومنحاز  كليا  لاسرائيل  ، ويتحدث بلسانين ،  فهو لم يذكر القدس في خطابه امام ايباك مرة واحدة  ، بينما ذكر امن اسرائيل  ثلاثا وعشرين   ولم  يخص الدولة الفلسطينية سوى بالكلام المكرر، والوعود ،  ولم يأخذ من اسرائيل بل أعطاها المزيد. وركز على التزامات بلاده الراسخة  تجاه اسرائيل الحبيب الاول والاخير للولايات المتحدة .

حقا ان اوباما منحاز كليا لاسرائيل ومن قال غير ذلك ، ولماذا يكون ،   ولمصلحة من  يمكن ان ينحاز غير اسرائيل ، فرئيس امريكا سيظل كذلك الى يوم يبعثون وكلما تحدث فانه سيعيد التأكيد والتشديد على الدعم والتمسك بامنها  ليس بصفته الشخصية وانما بحكم وظيفته الرسمية كمدير للبيت الابيض ينفذ سياسة الولايات  المتحدة الخارجية والداخلية  التي كانت وستبقى  مثلما هي تجاه اسرائيل ، وليس هناك ما يجعل امريكا تغير سياستها  تجاه حليفها الاستراتيجي  ، فالحلف  بين دولتين  وليس بين شخصين ، وايا كان الرئيس الذي سيحكم الولايات المتحدة  حتى وان  اصبح  محمد حسن   وليس  اوباما فان السياسة لن تتغير قيد انملة الا اذا اراد  لها مجلس الشيوخ ان تتغير  .

لا شيء في هذه الدنيا يغير من مباديء واولويات السياسة الخارجية الاميركية تجاه اسرائيل، سوى المصالح ، فما يهم الولايات المتحدة اولا واخيرا  هو المحافظة على مصالحها  ، وحسبما نعتقد  ان حل دولة فلسطينية في حدود 1967، يخدم  مصلحة امريكا واسرائيل والغرب والعالم كله ، وهي مسألة ان تم الاتفاق عليها ستبرز  كصيغة ذات مفعول عملي وواقعي وخصوصا اذا سبقها وقف كامل لحركة الاستيطان الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية  لكي تندفع عجلة التسوية ، ويعود الطرفان الى طاولة  مفاوضات ذات  جدوى وعلى اسس بائنة ومعروفة  وضمانات امريكية .

ومثلنا مثل الواقعيين فاننا نود ان نرى من الكأس نصفها الملأن ، فنردد ما  يقولون ان ثمة  عناوين سياسية كثيرة مهمة وبارزة في خطابي الرئيس الأميركي باراك أوباما ، وقد تكون القضية الفلسطينية وصلت  للمرة الاولى في تاريخها الى مصاف القضايا  الكبرى التي تهم  الادارة الاميركية والبيت الأبيض  ليعود  حل الدولتين الى الاضواء من جديد .

لماذا لا نقتنع بانها المرة الاولى التي  يتحدث فيها  رئيس أميركي  عن قضايا الشرق الاوسط وهمومه وحتى ثوراته من زاوية جديدة والتركيزعلى ان مستقبل أميركا مرتبط بهذه المنطقة ، وهي رؤيا  يمكن  توظيفها لمشروع الحل  الذي لا بد من  تحقيقه لانهاء الصراع في الشرق الاوسط ، باعتماد مبدأ الدولتين ، على ان تكون حدود 1967 هي الحدود الطبيعية للدولة الفلسطينيّة ، وهذه في رأينا افضل فرصة يمكن ان تتاح لنا لتحقيق حلم اقامة   الدولة المستقلة  اليوم ، لاننا لو اضعنا  هذه الفرصة  وانتظرنا الى الغد فلن  نجد من يساندنا او يقف الى جانبنا ولا من يملك الجرأة  لتطويع اسرائيل للقبول بحل الدولتين .

بالامس وفي خطابه الثاني التوضيحي دافع أوباما امام مؤتمر اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة "إيباك" ممثل اللوبي اليهودي  المؤيد لاسرائيل في واشنطن ، عن رؤيته للسلام القائمة على حدود 1967، وقال بنبرة عالية  في محاولة منه لاخفاء حرجه من الحضور المحيط به من كل الجوانب  وهي الرؤيا التي  تعني ان الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي سيتفاوضان على حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في الرابع من  حزيران 1967  مع تبادل للاراضي  ، ولا يمكن الانتظار عقدا او عقدين او ثلاثة  من الزمن لتحقيق السلام ،  فالعالم يتحرك بسرعة ونفاد الصبر  يزداد ، وتزداد معه   احتمالات عزلة اسرائيل  ، هكذا قال اوباما امام  اليهود الامريكين الذين صفقوا للرجل في بداية خطابه وفي نهايته  بصورة  اشعرته  بنشوة الانتصار .

ندرك ان اقوال  اوباما عن حدود 1967 لا تعد تغييراً نوعياً في الموقف الامريكي  غير ان ما فعله رئيس الدولة العظمى  هو انه  قال علناً ما كان يتردد سراً ، وزاد على ذلك بالقول انه لا يمكن أي طرف تجاهل الحقائق على الارض مثل النمو الديموغرافي للفلسطينيين غرب نهر الاردن وحقيقة كون التقدم التقني لن يكفي لحماية اسرائيل من دون سلام  ، ولكي تطمئن قلوب المشككين  والراجفين من الخطاب  فان التزام   اوباما  بالتفوق العسكري الاسرائيلي  لم يكن موقفا جديدا ولا خروجا عن النص او  خارجا عن اعراف السياسة الاميركية .

يمكن للولايات المتحدة بعد الخطاب الادعاء بتحقيق اختراق  لدى الشعوب العربية  ويتعين عليها التقاط الفرصة بتحقيق  المصالحة مع الشعوب وليس مع االحكام فقط ، وهي فرصة تستدعي  تركيزها في اتجاه حل القضية الفلسطينية التي كان يقال انها مفتاح السلام والحرب في المنطقة العربية ، ولا ندري اذا ما زالت هكذا ام ان الامور قد تبدلت  .

ولا يفوتنا القول  ان الحديث وحده لا يسمن ولا يغني من جوع  ، ويصبح  المطلوب اميركيا  ان يكمل الرئيس اوباما من  جميله  فيقدم خطة حل  سياسي  حتى لا تضيع التسوية تحت اقدام المتفاوضين  وان تتضمن الخطة  اسس استشناف  المفاوضات  ومتى ستبدأ والجدول الزمني  اللازم  لانجاز القضايا التفاوضية ،  ومتى سييدأ انسحاب اول جندي اسرائيلي من الضفة الغربية ، وفي اي المناطق سيتم تبادل الاراضي ، وماذا عن المستوطنات والقدس وحق العودة  لان الامور لا يمكن ان تبقى على حالها  الذي كان في السابق ، ثم هل ستتوجه اللسطة الفلسطينية  الى الجمعية العمومية للامم المتحدة من اجل الحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية في ايلول المقبل.
ونريد معرفة  موقف اوباما من  المبادئ  الستة التي عرضها نتنياهو قبل سفره الى واشنطن ، ومنها لا عودة لحدود الــ  67،  ولاثانية  لتقسيم القدس،  ولا ثالثة  لعودة اللاجئين ،  والتى نرى فيها  وأداً للتسوية السلمية ،  بينما يرى الاسرائيليون انها المرة الأولى  التي يتراجع فيها  نتنياهو عن المطالبة بوجود عسكري اسرائيلي في غور الأردن ، ويكتفي بالكلام على وجود عسكري على طول نهر الأردن لمدة زمنية معينة ، الأمر الذي يفسره هؤلاء بأنه تنازل  يقدمه الى إدارة أوباما ، لكن المشكلة  تبقى في أن مبادئ نتنياهو للحل التي يجمع عليها الاسرائيليون اليوم لا تزال أدنى بكثير من التطلعات السياسية الفلسطينية، وأي انحياز أميركي إلى جانب هذه المبادئ سيحولها من محاولة  لجمع الراسين  على مخدة واحدة  ، الى هجران  في المضاجع .
وبما اننا شعب يريد عنبا لا مقاتلة الناطور فان علينا التأكيد على حقيقة  واضحة  تقول بان ما جرى ويجري في العالم العربي  لم يكن من فعل اطراف خارجية  بل صناعة محلية  مئة بالمئة صنعها   الشباب العرب   ،  وهو فرصة يجب علينا نحن الفلسطينين  عدم  اضاعتها  بل الاستفادة منها  باتجاه حل القضية الفلسطينية  ، فلا احد يعلم ماذا يخبيء المستقبل فربما لا  تكون  ثورات التغيير العربية  على مستوى الطموحات وربما تأتي  النتائج مخيبة للامال ،  فتظل القضية الفلسطينية بلا حل لوقت طويل  ..!!





الجمعة، 20 مايو 2011

......!!!

لا اساس لاستئناف المفاوضات  ..!!
باسم ابوسمية
حبسنا الانفاس ، وقرأنا بنهم شديد كل ما قيل وما تسرب عما يمكن ان يقوله  الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه الاخير ، وحين جاء موعد الكلام توقف هدير الثرثرة وساد السكون ، وعلا وجيف القلوب وتحلق الخلق كلهم حول اجهزة التلفزة ، حتى ان الحكام العرب المشغولة بلدانهم في ثورات شعبية تابعوا بشغف شديد خطاب الرئيس ، فاذا به يقول كلاما لم يقله من قبل احد من الزعماء في الشرق وفي الغرب في ذكر مزايا الثورات العربية ، واشاد بالتونسي محمد بوعزيزي الذي احرق نفسه فاشعل شرارة الثورات العربية ، واتهم حكاما ومسؤولين عربا بقمع  شعوبهم  وطالبهم بوقف الاستبداد  ، وفتح ابواب  بلدانهم للديمقراطية  . 
ما كانت خطبة الرئيس الامريكي عرجاء ولا هوجاء ، بل كانت كسحاء ،  فلم تقدم اساسا يغري  الفلسطينين بالعودة  الى مائدة المفاوضات  ، ورغم انه تحدث عن دولة في حدود 67 ، الا انه لم يتحدث عن الاستيطان ، وساوى بين الفلسطينين والاسرائيلين في المسؤولية عن  افشال المفاوضات  ، لقد  قصد كل كلمة  قالها في الخطاب ، والى جانب ما ذكر كاد ان يقول  بان وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون التي جابت العالم طولا وعرضا في استة اشهر الاخيرة هي التي خلخلت وتد الهدوء الذي كان سائدا في البلدان العربية لعقود طويلة  وحرضت الشارع العربي على  الحكام  ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من لا زال ينتظر .
لا السياسيين ولا المحللين ولا قادة الفصائل الافاضل اصابوا كبد الحقيقة في وصف الخطاب او التعليق عليه ،  في حين كان من السهل  عليهم  فعل ذلك ، فقد جاء الخطاب نسخة طبق الاصل مع بعض التعديلات التي اقتضتها الظروف الاستثنائية عن خطابه الذي القاه في القاهرة قبل عامين ،  ويوما ظهر الرجل الاسمر طويل القامة والمبتسم دائما، ودودا وسحر كل الحاضرين والمشاهدين بلطفه ولباقته ، ويومها خاطب العرب والمسلمين الحاضرين والغائبين وتحدث عن اهمية الديمقراطية وضرورة تعميمها في العالم العربي الخبير  في قمع الحريات ، وساد الاعتقاد  حينها ان المشكلة الفلسطينية  قد قاربت على الحل  ، ففرحنا وهللنا وقلنا في اوباما من الشعر والنثر ما لم يقله مالك في الخمر ، وبعد  ان ذهبت السكرة وجاءت الفكرة  تسرب الاحباط واليأس الى قلوبنا ،  فالعم ابو حسين اوباما   لم يكن سوى مجرد  كلمنجي ، يتقن العزف على الوتر الحساس ، ويعرف ان العرب تقودهم عواطفهم  ، وهذا ما حصل  .
من كان ينتظر  ان يأتي الفرج من الولايات المتحدة ،  فقد خاب امله ، ومن اعتقد ان الرئيس اوباما  كان يحمل في جعبته  حلا سحريا للقضية الفلسطينية  ، فقد اخطأ حدسه  ، ومن  ظن ان اوباما يمكنه ان يخرج عن خط  العلاقة الاستراتيجية بين بلاده واسرائيل فقد كان واهما  ، او مصابا بالخرف  الفكري  ، الا  انه يحسب لسيد  البيت الابيض ، انه لم يتجاهل المطالبة بحق عودة للفلسطينين  ، ولكن العودة الى طاولة المفاوضات  ، ولعل هذه المحاولة الاميركية  الالف لجمع الطرفين على مائدة المفاوضات ، ولكن دونما فائدة تذكر ، فما الذي استجد ليدعوهما الى التفاوض بعد سبعة عشر عاما من الفشل المتراكم  ، وعلى ماذا يتفاوضون ، فقد قررت اسرائيل مواصلة الاستيطان في مدينة القدس فيما كان يلقي اوباما خطابه الاول  بعد  اندلاع الثورات العربية والثاني  منذ سنة 2009 الذي وجهه للعالمين الاسلامي والعربي  ولم يتغير في اثره شيء يذكر  .
وبالامس ،  في خطابه الذي اختار له مكانا يوحي  بان الكلام الذي سيلقي به في مهاوي العرب يحمل طابع العمل الجدي وليس مجرد  ترتيب جمل سياسية فقط ، فتحدث من وزارة الخارجية  في محاولة للايحاء باجواء التعايش الدافيء  بين المصالح الاميركية وبين رياح التغيير التي هبت على العالم العربي ، فما تفضل به الزعيم الديمقراطي ، لم يكن جديدا ولا  مستغربا بل كان متوقعا ونشرت مقتتطفات منه في الصحف العبرية على رغم النفي الذي ادعاه البيت الابيض ببطلان ما نشر من تسريبات عن مضمون الخطاب قبل ايام من القائه  .
 وعود بالدعم المالي ومساعدات بمليارات الدولارات الاميركية  لتغطية العجز وتحريك عجلة الاقتصاد في تونس ومصر ، والتلويح بعصى العقوبات  ضد الانظمة المتمردة على الارادة الاميركية ،  فاما التغيير او الرحيل ،  هذا كان ابرز ما في الخطاب على المستوى العربي   اما  في  الموضوع الفلسطيني ،  فقد  ارتج عليه  ولم يستطع ان يقول كلاما مغايرا لما كان قاله من قبل اكثر من مرة ، فهو يؤمن بحق الفلسطينين في دولة ، ولكن ليس على حساب دولة اسرائيل اليهودية وامنها وحدودها  وراحة مستوطنيها ، واعاد التأكيد على ان الولايات المتحدة رغم كبر حجمها ونفوذها وقوة عضلاتها التي تخيف بها  كل من يفكر بالخروج عن طاعتها  لا تستطيع فرض الحل على  اسرائيل .
 الى  هذا الحد  وكفى ، فلا احد يمكنه تجاوز خطوط اسرائيل الحمراء .  فالرئيس اوباما  يعلم كل العلم ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يؤمن بتقديم اي تنازلات تؤدي لاتفاق سلام  في الشرق الاوسط ، وليس هناك  من يجبره على ذلك لا اوباما ولا غيره  ، ولكن اوباما غامر في القول بان الحل في الشرق الأوسط، يجب إن يكون بإقامة دولة فلسطينية في حدود 67، وسرعان ما صدر عن نتنياهو  بيانا شديد اللهجة، قال فيه: إن إسرائيل لن تنسحب إلى حدود 67 لأنها غير آمنة ولا يمكن الدفاع عنها.
لا كلام  يعلو فوق كلام نتياهو  الذي كشر عن انيابه ، وبدا مكفهرا وجاهزا للانقضاض على  اوباما  واشباعه ضربا ولكما  ، بعدما اتضح  انه  لا يفهم  واقع الشرق الاوسط  ، ولا يعرف  ماذا يعني  الانسحاب  الى حدود 67 من خطر على الاستيطان ،  وماذا يعني بقاء  غور الأردن بلا  جيش اسرائيلي ، هكذا هو رأي قادة اسرائيل المعلن في الرئيس الاميركي ، رئيس دولة عظمى تقود العالم من غربه الى شرقه  لم يقرأ السياسة الاسرائيلية مثلما يجب ،  لكن نتنياهو الغاضب لم يفته حاجته الى حليفه  لمنع توجه السلطة الفلسطينية  إلى مجلس الأمن  في ابلول المقبل طالبة الاعتراف بالدولة على حدود 67  ، مثلما اعلن اوباما نفسه ، والحاجة الى اوباما ليس فقط من خلال استعمال الفيتو الأميركي في المجلس ، وإنما أيضا في إقناع الدول الأوروبية المترددة ، بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وبالتالي اجبار السلطة على العودة للمفاوضات .
كيف فاتت على رئيس دولة عظمى كالولايات المتحدة بان حدود 1967 لا تعتبر بالنسبة لاسرائيل حدودا يمكن الدفاع عنها ،  فاسرائيل تقدر التزام اوباما بالسلام ولكنها ترى  بانه  من الان وحتى يسود هذا السلام  ، ان حصل ، لا يمكن اقامة دولة فلسطينية على حساب وجود دولة اسرائيل ، لا ندري كيف نسي اوباما هذه الحقيقة الاسرائيلية  التي قد تطيح بنظام حكمه  .
 ويل لاوباما من اسرائيل ، فقد جاء خطابه ، خطاب تقسيم ، هكذا قالت  صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية في اليوم الذي تلا الخطاب  مشبهة ما جاء فيه بقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة والذي قسم فلسطين التاريخية  الى دولتين فلسطينية لا زالت تنتظر ، واسرائيلية لا زالت تصارع  حق وجودها وتحقيق الاعتراف الاقليمي والعربي فيها. والمثير للاستغراب انها اعتبرت الخطاب  عملية انتقامية امريكية ردا على فشل المفاوضات ، انه امر يثير في داخلي  رغبة جامحة للضحك ، على ما وصلت اليه الاحوال .
وفيما يتعلق بالعنصر الفلسطيني الاسرائيلي الذي جاء في نهاية الخطاب اعتبرت الصحيفة الاسس التي اوردها الرئيس اوباما  ضمن الاشياء المعروفة سلفا والتي لا تحتاج الى الكثير من الفهم والادراك للتأكد بأنها سترد في الخطاب، مضيفة :" ما جاء في الخطاب حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني امرا مفهوما ومعروفا سلفا وكل طفل صغير يعرف ان الحل سيستند على مثل هذه الاسس مع بعض الاضافات هنا او هناك ..
 واذا كان هذا هو حال اسرائيل التي يفترض فيها ان تضحك في عبها كما يقولون ،  فماذا عن خيبة الامل والاحباط الذي حل بالفلسطينين ، وما يتربص بمشروع الاعتراف بالدولة المستقلة  في ايلول المقبل من مخاطر اولها  وقوف الولايات المتحدة في مواجهته  ، وهنا يحق لنا وصف كلام اوباما في هذا السياق بالاهوج وليس فقط  بالاعرج ، الا يدرك ان الموقف الاسرائيلي الذي اعقب خطابه بمثابة ضربة قاضية للقضية الفلسطينية  ولفكرة الدولة على حدود  67  التي ربما  سيتراجع عنها  بعد لقائه  بنتيناهو في البيت الابيض ، ويؤسفنا ان الرئيس الامريكي  وقف الى جانب اسرائيل  وسد الطريق على  مطالبتنا  بالدولة المستقلة ولم يقترح صيغة  لمعاودة المفاوضات المتوقفة ، ولم يتخذ موقفا  واضحاً ، بل ترك الأطراف كل واحد  يفسر اقواله  كيفما يشاء ،  وهذا اخطر ما في الامر ، وباختصار فان اوباما من وجهة نظر السلطة الفلسطينية  لم يقدم اي اساس  للعودة الى المفاوضات ..!!