الشعب لا يريد حكومة ..!!
باسم ابو سمية
منذ ان بدأ تشكيل الحكومات في بلادنا ونحن نسمع عن شعارات رفعت ولم تنفذ ، منها مكافحة الفقر والبطالة وتقليص الهوة الاقتصادية والاجتماعية ، وجعل الناس يستفيدون من منافع الاستثمارات في بناء المنشأت والمدن السكنية بحيث تشمل كل شرائح المجتمع في كل المناطق الفلسطينية على نحو متكافئ ، اضافة الى ذلك وقف هجرة الادمغة وايجاد فرص عمل جديدة للكفاءات المدفونة في فلسطين وخارجها ، فهذه المواضيع تأتي في اول اولويات الناس واهتماماتهم وينبغي على السلطة التعامل معها بكل مسؤولية ، فقد كانت سببا في اهتزاز ثقة المواطنين بالحكومات المتعاقبة .
بعض الذين شاؤوا تلطيف ألاجواء المصاحبة لتشكيل الحكومة الفدرالية بين فتح وحماس يدركون ولا يعترفون بان حكومة تقاسم الحصص التي يجري تشكيلها وراء الكواليس تعجل في الانزلاق نحو الانقسام والتقسيم ، هكذا نرى الامور بواقعية شديدة وبلا مواربة او مجاملة .
خطورة هذا الامر تكمن في الظرف السياسي الحالي الملتبس والمرشح الى التدهور بعد خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنجامين نتنياهو امام اعضاء الكونغرس الامريكي الذين صفقوا له حتى احمرت اكفهم ، وهو ظرف يحمل بذور الانفجار في عز الحاجة الفلسطينية الى دولة ومؤسسات واستثمارات واموال وطنية ، وليس انتظار مساعدات المانحين واموال الضرائب التي تحجتزها اسرائيل ، ونريد القول ان الاتكال على المساعدات الدولية وحتى العربية الشهرية او السنوية بلا استثمارت وطنية سيعجل في انهيار مشروع الدولة قبل قيامها .
فما معنى ان نتحدث عن دولة مستقلة في حدود 1967 ، ولا ننجح في تشكيل حكومة مستقلين لتسيير الاعمال دون ان تتعاطى في السياسة الى حين اجراء الانتخابات ، وكل ما يجري من حولنا يثير ما هو اكثرمن الخوف من المستقبل ، فاي مصلحة للفصائل في تداول مئات الاسماء كمرشحين لرئاسة الحكومة ووزراتها ، واين هي هذه المصلحة في سلم اهتمامات الناس ، وماذا يهم الناس وسط احوالهم المريعة اذا ما اصبح لقب الوزير هو الشغل الشاغل لكل فصائل المقاومة والممانعة والعمل الوطني ، اليس افتعال الغرق في تسمية الوزراء يعد انحرافا نحو الانقسام واعادة تقسيم الوطن رغما عن ارادة اهله..!!
لقد صارت اخبار التشكيل الحكومي مثل احاديث الصالونات النسائية ، فما ان يجتمعن حتى تبدأ الثرثرة التي تدوم وتدوم ولا تنتهي حول اخر الاخبار عمن سيصبح وزيرا للثروة الحيوانية ، او وزارة المياه والري او وزارة الثقافة ، الى اخر القائمة ، هذا هو حال التشكيل الوزارى لحكومة المستقلين الموعودة في فلسطين ، وهي في راينا حكومة موعودة بالعذاب ، ففي كل مرة تنشر فيها اسماء المرشحين تصبح محل تندر ، لماذا محمد مصطفى وليس سلام فياض ، وسرعان ما يتداعى المسربون من كبار المسؤولين الى تسريب قوائم باسماء كثيرة كمرشحين للتشكيلة الحكومية ، ولكثرة القوائم التي ترددت منذ اتفاق المصالحة وحتى الان اختلط الامر على الناس .
بعد المصالحة الفلسطينية قيل ان الحكومة الجديدة سوف تتشكل من شخصيات مستقلة تماما ، لا هي من حماس ولا هي من فتح ، وستنحصر مهمتها في التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعة وادارة شؤون الوزرات ، اما الاسماء المسربة فهي ليست كذلك فثمة اشخاص معروفون بانهم اما اعضاء في فتح او في حماس او مؤيدين لهما ، فلماذا استغفال الناس بهذه الطريقة المكشوفة ، فغنمات جحا كما يقول المثل معروفة ، واحدة نائمة وواحدة قائمة ، والكل في فلسطين يعرفون خلفايات بعضهم البعض ويعرف كل واحد الطفولة والمراهقة السياسية للاخر منذ ايام الاحتلال حتى اليوم .
لم يقل لنا احد ان تشكيلة حكومة المستقلين العتيدة لتصريف شؤون الناس قد تستغرق وقتا اطول مما استغرقته حوارات المصالحة ، وفي كل يوم يمر تطالعنا المصادر بلائحة مختلفة عما سبقها ، ومن المفارقات المضحكة انه تم تداول نصف الشعب الفلسطيني كمرشحين لرئاسة الحكومة او عضويتها ، هل هذه اشارة الى ان مشاكل الشعب الفلسطيني قد انتهت ولم يبق لديهم سوى مشكلة تشكيل الحكومة .
لا يهم الناس اذا تشكلت الحكومة ام لا ، فالامر بالنسبة اليهم سيان طالما ان الحكومات المتعاقبة منذ اول انتخابات تشريعية ، لم تنجح في احداث تغيير جذري ملموس في الاحوال المعيشية والاجتماعية والسياسية ايضا ، والدليل على ذلك ان الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات لم يتوقف يوما عن الشكوى والعويل على ما وصل اليه الحال من تراجع في الاوضاع وزيادة االفقر وتعاظم نسبة البطالة ، اللهم الا موظفي الحكومة الذين بقوا خارج التداول كفقراء الى حد ما فقد وفرت لهم اموال الدول المانحة رواتب ثابتة تكفيهم شر السؤال في اسوأ الاحوال .
الذي حدد مهمات حكومة المستقلين هو الرئيس ابو مازن وليس احد غيره ، واكد انه لن يترشح للرئاسة ، ودعا فتح للبحث عن شخص آخر ليصبح رئيسا ، لكننا فوجئنا ، بان الاشخاص الذين تمضغهم الالسنة لاشغال مختلف الوزارات ليسوا مستقلين مطلقا عن الحزبين الكبيرين فتح وحماس ، بل ان غالبيتهم اما حمساويين سابقين او مستقلين فتحاويين ، وربما ان هؤلاء من الخلايا النائمة للحركتين ، وبعضهم مدراء ابتسم لهم الحظ ليصبحوا وزراء .
لم يعد الوضع الفلسطيني الداخلي المأزوم معيشيا واقتصاديا وسياسيا ، ولا الوضع الاقليمي المتفجر في اكثر من دولة حولنا يسمحان بالاستمرار مضغ الاسماء صباحا وبصقها مساء ، وما قد يسببه ذلك من تداعيات ، و يتعين على الرئيس اتخاذ خطوة جريئة بتحمل مسؤولياته امام شعبه فيوقف ظاهرة قوائم الاسماء وتأليف حكومة ترضي كل الناس قبل ان ترضي اهل السياسة واصحاب الاحزاب والفصائل ، حكومة لا تتعاطى في الشأن السياسي بعيدة عن التقاسم والحصص تتفرغ لادارة الشأن العام .
لماذا نقترح حكومة الناس وليس الفصائل ، لان هذا يغنينا عن تجاذبات قوائم المرشحين ومواصفاتهم ، فالمطلوب من حكومة كهذه الاهتمام بتوفير الاموال لموظفيها وللمؤسسات وللمدارس والعيادات الصحية للارتقاء يالخدمات الصحية المريعة ، وتعزيز الاستثمارات كواحد من الاسس لبناء الوطن والحفاظ على منجزات مشروع بناء المؤسسات الذي يسدجل لرئيس الحكومة المرفوض حمساويا سلام فياض ، ويمكن القول بكل بساطة ان الناس قد ملوا التسميات والتشكيلات من حكومة الوحدة الوطنية الى تصريف الاعمال ، الى التسيير والتكنوقراط على بلاط ، والكفاءات ، والانقاذ ، فالناس لا يهمهم من يحكم بل كيف يحكم ، فمعالجة الازمات ومواجهة التحديات يحقق للوطن والمواطن من يصبو اليه من تحسن للاحوال المعيشية .
لكن كل ما كان يحصل في كل حكومة تتشكل كان على العكس من ذلك تماما ، فقضايا الناس كانت في اخر قائمة الاولويات على افتراض ان هناك قوائم ، فمصالح الناس اهملت منذ وقوع الانقلاب وتبادل الاتهامات والاقتتال وتفاقم الاوضاع الداخلية .
لا تظنوا ان المصالحة قد انجزت كل قضايا الخلاف فما زال هناك الكثير امام الفريقين لتحقيقه ، وستظل تلك القضايا حجر عثرة في طريق تشكيل الحكومة الجديدة ، علما ان تشكيلها او عدمه لم يعد في نظر الناس امرا ضروريا ولا ملحا ، فيكفينا حكومة تكلف بادارة الشؤون العامة ، فدقة المرحلة الراهنة وخطورتها محليا واقليميا ودوليا ، تتطلب قيادة سياسية تجتمع على برنامج سياسي واحد ، وليس حكومة تتعارض سياستها مع سياسة قيادتها .
مطلوب من الرئيس ان يحزم امره للخروج بحكومة كفاءات تحظى بثقة الناس ورضاهم ، حكومة من الداخل والخارج وليس من غزة والضفة فقط ، وليتحمل المرشحون عندئذ مسؤولية مستقبل الناس ، وان تترك مسؤولية الوطن لقيادة منظمة التحرير بعد اجراء التعديلات المطلوبة في هيكليتها ورموزها ، فهي الجهة الشرعية الوحيدة التي تمتلك القدرة على اتخاذ القرار ، اما مسؤولية الحكومة فهي ادارة شؤون الناس ، وهي مسؤولية لا تقل أهمية عن اتخاذ القرار السياسي فكل منهما يعد حجر زاوية في بناء الوطن ..!!.