الأربعاء، 13 يوليو 2011

نار ايلول بلا دخان


نار ايلول بلا دخان ..!!

باسم ابو سمية

 اشبه بدخان بلا نار كان السجال الذي نشأ من اول يوم في المصالحة بخصوص تشكيل حكومة محاصصة ، ذاك  الجدل البيزنطي غطى على القضية الاهم حول ما يتوجب عمله في معركة  تبدو نارها مشتعلة ولكن بلا دخان ،  هكذا تبدو الاجواء قبل الموعد المنتظر للاعتراف بالدولة في اروقة الامم المتحدة في ايلول المقبل ، في الحالة الاولى لم يطل الجدل اساس التشكيل الذي ورد نصه في الاتفاق وتحدث عنه الرئيس ابو مازن ، فقد تمحور الجدل حول شخص رئيس الحكومة فيما ان المطلوب حكومة مؤقتة تضم كفاءات من المستقلين تماما  تدير شؤون الناس لبضعة اشهر الى حين الاعداد للانتخابات بمساريها الرئاسي والتشريعي ، وبعد ذلك يمكن  للاطراف تشكيل الحكومة التي يريدون ، سواء حكومة توافق او وفاق  وطني او تقاسم  او غير ذلك ، ولكن قبل ذلك فليحدد الناس اولوياتهم .

لكن كما يبدو فان العصبية الفصائلية حرفت الكلام عن مواضعه  فتحول الى تبادل اتهامات بالتعطيل ، فعادت حليمة لعادتها القديمة ، كيل التهم وتحميل المسؤوليات ، وكل طرف يريد الاجهاز على الطرف الاخر بالضربة القاضية ، وهكذا غطى الاجواء غبار كثيف حول شخص رئيس الحكومة الجديد التي سعى الطرفان ( فتح وحماس ) لاقتسامها ، ولم يتبادر الى ذهن احدهما ان التشكيل لم يكن امرا مستعجلا ولا ضروريا  قبل ان تتضح نتائح التحرك الفلسطيني ويتبين الخيط الابيض من الاسود في مسألة التوجه الفلسطيني للامم المتحدة في ايلول الاتي .

ثمة غباش حتى الان في الموقف النهائي لكلي الطرفين من هوية المرشح لرئاسة الحكومة ، وكأنه كتب على الفلسطينيين ان يظلوا في كمد الى يوم الدين ، وكأن العصر الفياضي للحكومة كتب له ان يكون اخر عصور الحكم الرشيد والشفافية  وبناء المؤسسات ،   وهذا ما اوجد لدى عامة الناس نوعا من فقدان الامل واليأس من  ان عدم التوصل الى اتفاق  حول رئيس الحكومة  دليل على فشل الطرفان  مستقبلا في حل الملفات المتعلقة بالمصالحة وهي شائكة وكثيرة ، وكيف للفلسطينين في هذه الاجواء التآمرية التعامل مع معركة ايلول التي باتت على الابواب  ، طالما فشلوا في اخبتار الثقة  في اول قضية واجهتهم بعد المصالحة .

انها اجواء بغيضة مفعمة بالبغضاء  وانعدام الثقة ، وقد عادت علاقات الطرفين مثلما كانت ابان الانقسام البغيض مثل الزجاج تنكسر من اول نقرة ، فكل طرف يحمل الاخر مسؤولية تعطيل المصالحة ، واصبحت التصريحات والادانات والتنديد مثل الرصاص الطائش يلعلع  فوق الرؤوس بدون ضحايا  او اصابات حتى الان .

كان الاولى بالمتصارعين على رئاسة الحكومة   التفرغ بوضع الخطط لما يتوجب عمله  في الايام المقبلة ، والاسلحة التي ستسخدم في المعركة الايلولية ، وهي معركة الاعتراف بالدولة الفللسطينية على حدود 1967 ، لكن يبدو ان الاعتراف  لم يعد قضية تهم  احدا من المتهالكين على نيل المناصب الوزارية ، يا عيب الشوم ..  لم يفكر احد في الرد على  موقف اللجنة الرباعية الدولية  التي تأتمر بامرة الولايات المتحدة الامريكية ، وكيف ان الولايات اخذت على عاتقها  مهمة لن تحيد عنها ، وهي الانتصار لاسرائيل ظالمة ومظلومة ، وقلما كانت اسرائيل مظلومة  فهي مغتصبة لحقوقنا واراضينا ، ولا احد من الطامحين بالمناصب الوزارية  يتحدث عن هذا الاغتصاب الا في الاحتفالات  وامام الفضائيات ، وربما لهذا غابت القضية القومية الاولى عن الخطاب الرسمي للانظمة المحاصرة بالثورات وحركات التغيير ، وهذا ما يفسر ادارة العرب ظهورهم للرئيس ابو مازن حينما تحدث عن الازمة المالية الخانقة التي لم تمكن الحكومة من الايفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها ،  وقلة هم الذين  سمعوا صرخته عن الخطر المحدق ،  وكثيرون شككوا في صدقية الادعاء بان السلطة الفلسطينة تقف الان على شفا الافلاس والقحط المالي ، لعل فلسطين التي قرعت الدول والانظمة  العربية طبولها لعقود طويلة ، لم تعد  تستحث  نخوة العرب ..

في هذه الاثناء تبرز مسائل جديرة بالاهتمام فيما يخص موقف الولايات المتحدة والرباعية الدولية بقيادة  واشنطن ، وهي كيف سيكون بامكان الفلسطيين العودة  الى طاولة المفاوضات بدون شروط حسب دعوة الرباعية وامريكا ، بينما اسرائيل  تصادق في كل يوم  على مشروع استيطاني جديد ، والقدس التي تتحدث عنها الادبيات السياسية الفلسطينينة بانها العاصمة الابدية المفترضة للدولة المستقلة ، تغرق شيئا فشيئا في مستنقع الاستيطان وتغوص في التهويد ، لا نعتقد ان فلسطينيا واحدا  في الدنيا مستعد ولو بعد مائة سنة القبول بدولة فلسطينية  بدون القدس ، حتى اكثر المستفيدين من الامتيازات التي تقدمها اسرائيل وتعمل على سحبها كلما غضبت .

هل هناك  احد من حماس او فتح يقدم لنا تفسيرا حول ما يمكن على السلطة عمله حيال الضغوط التي يقال ان واشنطن تمارسها على السلطتين الفلسطينية والاسرائيلية لاستئناف المفاوضات ، وعلام سيتفاوض الجانبان يا ايتها الولايات المتحدة الامريكية  ،  يقولون تهكما ان جهيزة الرباعية الدولية التي هي  رباعية توني بلير قطعت قول كل خطيب مكتفية بدعوة الطرفين ، للعودة الى سرير المفاوضات بلا مخدات  تجمعهما  ، عسى ذلك يعيد  ذكريات ايام زمان  حين كانت بعض جلسات التفاوض تقتصر على طلب بعض التسهيلات  الاسرائيلية  كاثبات حسن النوايا ،  والان نعتقد ان  قرار الرباعية هو شكل جديد من اشكال البلطجة السياسية ، لا يختلف عن النمط المعروف على هوامش الثورات العربية ، فالبلطجة هي نفسها في كل الاحوال ، ويبقى الامر المثير للسخرية ان التقديرات في اسرائيل  تقول انه في حال حدوث تقارب بين مواقف المتفاوضين  فان الولايات المتحدة  تعتزم عقد لقاء قمة في واشنطن لاجمال المواقف ، وجمع راسي المتفاوضين على مخدة  الحل ، لا نعلم  ما هو الحل المقصود بالحديث  .

الاكثر غرابة او استغرابا ، هو تجرؤ وزير الخارجية الفلسطينية على تحدي ارادة الادارة الاميركية بالتعبير  عن امله في ان تتفهم واشنطن مطلب اعلان دولة فلسطين على حدود 1967  في ايلول المقبل ، والاكثر طرافة المراهنة على اقوال ميتافيزيقية  مثل ان فلسطين المنتظرة على احر من الجمر حلول ايلول ، لن تقف وحدها في مواجهة الولايات المتحدة ، بل ان الدول العربية كلها ستقف الى جانبها ، وكأن باصحاب هذا القول لا يعلمون ان العرب دخلوا منذ زمن بعيد  في ثلاجة الصديق الامريكي بمحض ارادتهم ،  فتجمدت جميع قدراتهم السياسية  والثقافية والمالية .

وما لجنة المتابعة العربية التي يعول عليها الساسة الافاضل ، الا كالانسان الالي  وفق الرغبة الاميريكة ، فلا تحيد عنها  او تخالفها ، وما هي الا للمتابعة فقط لا اكثر ولا اقل ،  وهذه اللجنة لم تحدد موقفها بعد  من اعلان الدولة  بانتظار اشارة من الاصبع الاميركي ؟!.

في رئاسة اركان ايلول ثمة من يقف كالطود الشامخ  ، او كالمارد ، وهو كبير المفاوضين صائب عريقات ، متصفا بالجرأة والصبر مثل ايوب ويقول ان هناك خطوات عملية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، حيث بدأت جحافل الدبلوماسية الفلسطينية في الزحف نحو عواصم العالم لدعوة قادة تلك الدول الى اعتناق الاعتراف بدولة فلسطين ،  ودعم توجه السلطة الى الامم المتحدة ومجلس الامن ، وهذا الموقف دليل قاطع على ان ( ابو علي  وهو لقب يضرب في الشجاعة والاقدام ) يستند الى جدار منيع  بعدما رفع عقيرته بالتصريح ان تهديد اي طرف ، ولم يقل الولايات المتحدة ، باستخدام الفيتو  لن يمنعنا من حقنا في نيل الاعتراف  بالعضوية ، لقد كان على كل اركان السلطة ان يحذوا حذوه ، وان يضربوا عرض الحائط  بالرفض الامريكي للتوجه الفلسطيني الى مربط خيلنا بنيويورك في ايلول المقبل شاء من شاء وابى من ابى، ومهما كانت النتائج ، فهل يتعلم المتهافتون على الحكومة والمنشغلون في تفصيل رئيس لها  كيف تكون الشجاعة والاقدام ، وكيف عليهم التصرف في اوقات الشدة ، بدلا من ترك ميدان المعركة والتلهي بلعبة تعديل الجينات الوراثية لصناعة المؤامرة ، على طريقة  ان لم تكن متآمرا  فقد اكلك المتآمرون ، ويا ويلنا ان بقي حالنا كذلك  .

لقد حانت ساعة القرار، ولم يعد امامنا الا احد امرين ،  اما الرضوخ لرغبة الولايات المتحدة  او الرفض ، فالاول يعني نهاية القضية الفلسطينية ، والثاني يحمل تداعيات عديدة ليست النهاية احداها ، فالعودة الى المفاوضات بمفهوم الرباعية والولايات المتحدة واسرائيل  ليست سوى انتحارا بمعناه الحرفي ..!! ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق